القدّيس حزقيال النبي (القرن 6ق.م)
الإسم، حزقيال، معناه "الله قوّي" أو "اللهيقوّي". من الأنبياء الكبار الأربعة بعد إشعياء وإرميا. كان كاهناً من سبطلاوي. دُعي للنبوءة إما في سنّ الثلاثين وإما في السنة الثلاثين من تحريرنبوبولاصر، أبي نبوخذ نصر، بابل من سلطان آشور. يرجّح أنّه تنبّأ بدءاً من السنة593 ق.م. امتدّت نبوءته فترة لا تقلّ عن اثنين وعشرين عاماً. كان أحد الذين سُبُوامع الملك يهوياكين، ملك يهوذا. كان، فيما يبدو، في الخامسة والعشرين من العمريومذاك. تاريخ السبي الأول هو 598 ق.م. كيف حصل السبي؟ كان يهواقيم على يهوذا وعملالشرّ في عيني الربّ فأنهض الربّ عليه نبوخذ نصر، ملك بابل، فاستعبده ثلاث سنوات.فلمّا تمرّد عليه أرسل إليه الغزاة التابعين له فحطّموه وأذلّوه فمات ومَلَك ابنهيهوياكين عوضاً عنه. هو أيضاً سلك في سيرة أبيه فلم يدم حكمه أكثر من ثلاثة أشهرصعد بعدها نبوخذ نصر إلى أورشليم فسبى الملك ومعه حزقيال وأشرف مَن في أمّةاليهود. بقية الشعب في يهوذا حكمها صدقيا، ابن أخي يهوياكين. لكنّه تمرّد علىنبوخذ نصر، هو أيضاً، فصعد عليه نبوخذ نصر وخرّب أورشليم ودمّر الهيكل بعد أحد عشرعاماً من غزوتها السابقة، أي حوالي العام 587 ق.م.
حزقيالمعاصر لإرميا النبي، وعلى دراية بنبوءته. ثمّة مَن يبدي أنّه يتناول ملاحظاتهالتعليمية أو خطاباته القصيرة فيوضحها ويوسّعها.
عاش حزقيال مع المسبيّينعلى نهر خابور، وهو قناة في أرض بابل، وربما كان في تل أبيب. تزوّج في أوائلالثلاثينات من العمر وكان له بيت. حَمَل حِمل شعبه. خدم بين البؤساء والمطحونينوالمعذَّبين. نبوءته شطران أساسيان: يتّسم أولهما بالتهديد والوعيد. تفوّه بهحزقيال قبل خراب أورشليم والهيكل وقبل سبي فوج جديد من اليهود إلى بابل في العام587 ق.م. هذا يمتد في النبوءة حتى الإصحاح الرابع والعشرين. والشطر الثاني، إلىآخر النبوءة، فيه وعد ورجاء أنّ الله مفتقد شعبه متى حان إنصافه واكتمل سبيه الذيسوف يمتد، بحسب إرميا، سبعين عاماً.
حكم الربّ على أورشليم كانتأديباً بعدما صُمَّت الآذان وقست القلوب. "في نجاستك رذيلة لأنّي طهّرتك فلمتطهري ولن تطهري بعد من نجاستك حتى أُحلّ غضبي عليك. أنا الربّ تكلّمت. يأتيفأفعله. لا أطلق ولا أشفق ولا أندم. حسب طرقكِ وحسب أعمالك يحكمون عليك يقولالسيّد الربّ" (حز 24: 13 – 14). لذا منع الربّ حزقيال نبيّه من النوحوالبكاء فكان عليه أن يحمل ألمه على شعبه بسكوت. "يا ابن آدم هانذا آخذ عنكشهوة عينيك بضربة فلا تَنُح ولا تبكِ ولا تنزل دموعك. تنهّد ساكناً، لا تعمل مناحةعلى أموات. لفّ عصابتك عليك واجعل نعليك في رجليك ولا تغطّ شاربيك ولا تأكل من خبزالناس" (حز 24: 15 – 17). حتى لمّا ماتت زوجته مساء استبان، على الألم، صلباًفولاذياً، بنعمة الله. كان الربّ قد بثّه تلك الصلابة، بإزاء تصلّب بيت إسرائيل،لما قال له: "هانذا قد جعلت وجهك صلباً مثل وجوههم وجبهتك صلبة مثل جباههم.قد جعلت جبهتك كالماس أصلب من الصوّان فلا تَخَفْهم ولا ترتعب من وجوههم لأنّهمبيت متمرّد" (حز 3: 8 – 9). مأساة الربّ مع الشعب لم تكن أن الشعب لا يشاء أنيسمع بل أنّه لم تعد لكلمة الله جذور في قلوبهم. كلمته منهم كالحَبّ الواقع علىأرض محجرة لا جذور لها. لذا قال الربّ الإله بفم نبيِّه: "ويأتون إليك كمايأتي الشعب ويجلسون أمامك كشعبي ويسمعون كلامك ولا يعملون به لأنّهم بأفواههميُظهرون شوقاً وقلبهم ذاهب وراء كسبهم..." (حز 31: 32). النبي واع وَهَنالنفوس ومع ذلك يدعو إلى التوبة: "توبوا وارجعوا عن كل معاصيكم ولا يكون لكمالإثم مهلكة... اعملوا لأنفسكم قلباً جديداً وروحاً جديدة... لأنّي لا أُسر بموتمن يموت يقول السيّد الربّ. فارجعوا واحيوا" (حز 18: 30 – 32).
الرؤيا الأولى كانتلحزقيال بين المسبيّين عند نهر خابور. ليس الله في أرض يهوذا وحسب بل في بابل وتلأبيب ونهر خابور أيضاً. في أرض الضيق والشدّة والتعب والمعاناة ظهر مجد اللهجليلاً مهيباً. رؤيا الحيوانات. رؤيا البكرات. رؤيا مجد الرب. وجوه الحيواناتالأربعة كانت شبه وجه إنسان وأسد وثور ونسر. وعند العديد من آبائنا كإيرانيوسوأثناسيوس الكبير وغريغوريوس اللاهوتي وأمبروسيوس ميلان أن هذه الوجوه هي للمسيحالمتجسّد كما يُصوَّر في الأناجيل الأربعة: الإنسان إشارة لمتى والأسد لمرقصوالثور للوقا والنسر ليوحنا. وقيل أيضاً إنما الإشارة بوجه الإنسان هي إلى الحكمةوالأسد إلى القوّة والثور إلى الاحتمال والنسر إلى السمو.
ثمّ أُعطي حزقيال درْجاً،كُتب فيه من داخل ومن قفاه مراث ونحيبٌ وويل. وأُمر أن يأكله فصار في فمه حلواًكالعسل (2: 10؛ 3:3). الدرْج هو كلام الله إلى المسبيّين لينقله لهم "إنسمعوا وإن امتنعوا". بأكل الدرْج كان مفترضاً بحزقيال أن يصير واحداً وكلمةالله، أن يلتزمها في حشاه. هذا جعل الكلمة، على حلاوتها في فمه، مُرّة في حرارةروحه (3: 14) لأنّها تطال العلاقة التي تربطه بشعبه من حيث هي كلمة دينونة للشعبوعقاب.
يد الربّ على حزقيال كانتشديدة، فقد جعله رقيباً على إسرائيل، حارساً ومنذراً. تحت الطاعة بات وحياته رهنبخدمته. "قد جعلتك رقيباً لبيت إسرائيل... إذا قلتُ للشرّير موتاً تموت وماأنذرته أنت ولا تكلّمتَ إنذاراً للشرّير من طريقه الرديئة لإحيائه فذلك الشرّيريموت بإثمه، أما دمه فمن يدك أطلبه. وإن أنذرت أنت الشرّير ولم يرجع عن شرّه ولاعن طريقه الرديئة فإنه يموت بإثمه. أما أنت فقد نجّيت نفسك" (3: 17، 18 –21).
وكان على حزقيال أن يمثّلبالرسم حصار أورشليم وكَسرَ قوام الخبز فيها "فيأكلون الخبز بالوزن وبالغمويشربون الماء بالكيل وبالحيرة لكي يعوزهم الخبز والماء ويتحيّروا... ويفنوابإثمهم" (4: 16 – 17).
ثمّ تأتي آية حلق النبيرأسه ولحيته. ثلث شعره يحرقه بالنار إشارة للذين سيُحرَقون أو يموتون بالمجاعةوالوباء داخل المدينة. والثلث الثاني يضربه بالسيف إشارة لمَن سيموتون قتلاًبالسيف. والثلث الثالث يذرّيه إلى الريح رمزاً لمَن يُسبَون ويُشرّدون في كل مكان.
بعد ذلك، في الإصحاحالثامن، رَفَع روحٌ حزقيال بين الأرض والسماء ونقله في رؤى الله إلى أورشليم ليبصرالرجاسات العظيمة التي يعملها بيت إسرائيل: شيوخ إسرائيل يبخّرون لأشكال دبّاباتوحيوانات نجسة وأصنام مرسومة على الحائط، والنسوة يبكين على تمّوز، والرجال يسجدونللشمس نحو الشرق وقد ملأوا الأرض ظلماً.
ثمّ في الإصحاح التاسعيُوسم كل الذين يعبدون الله ويُبقَون ويُهلك الباقون.
في الإصحاح الثاني عشريستبين النبي آية للجلاء العتيد للشعب وأنّه لا يتنبّأ لأزمنة بعيدة بل ما يتكلّمبه حاصل عن قريب.
وفي الإصحاح الثامن عشريقطع الربّ على الشعب حجّة أن آباءهم أكلوا الحصرم وهم ضرسوا. "لا يكون لكممن بعد أن تضربوا هذا المثل في إسرائيل" (18: 3). "النفس التي تخطئ هيتموت. الابن لا يحمل من إثم الأب والأب لا يحمل من إثم الابن. برّ البار عليه يكونوشرّ الشرّير عليه يكون" (18: 20). الله لا يُسرّ بموت الشرّير إلى أن يرجعويحيا (18: 23). لذلك اطرحوا عنكم كل معاصيكم "واعملوا لأنفسكم قلباً جديداًوروحاً جديدة" (18: 31).
وإذا كان الويل عنوانالإصحاحات الأربعة والعشرين الأولى من حزقيال فالرجاء هو عنوان الإصحاحاتالمتبقيّة.
في الإصحاح الرابعوالثلاثين ويل لرعاة إسرائيل الذين يرعون أنفسهم دون الغنم، ولكنْ مصحوبٌ بوعد منالله بالسؤال عن غنمه وافتقادها (34: 11). لا تكون بعد غنيمة ويحكم الله بين شاةوشاة. لذا قال: "أقيم عليها راعياً واحداً فيرعاها عبدي داود، هو يرعاها وهويكون لها راعياً. وأنا الربّ أكون لهم إلهاً وعبدي داود رئيساً في وسطهم. أنا الربّتكلّمت" (34: 23 – 24).
وإذ كان الربّ في الإصحاحالثامن عشر قد حثّ الشعب على طرح معاصيه عنه وأن يعمل لنفسه قلباً جديداً وروحاًجديدة، فإنّه في الإصحاح السادس والثلاثين يعطيهم أن يحقّقوا ذلك. "وأعطيكمقلباً جديداً وروحاً جديدة في داخلكم وأنزع قلب الحجر من لحمكم وأعطيكم قلب لحموأجعل روحي في داخلكم وأجعلكم تسلكون في فرائضي وتحفظون أحكامي وتعملون بها"(36: 26 – 27). وبعد أن يطهّر الربّ الإله بيت إسرائيل من كل آثامه تُبنىالخِرَب... وتُفلح الأرض... وتصير الأرض الخربة كجنة عدن والمدن المقفرة معمورة...يد الربّ هي التي تفعل لا لأنّهم صالحون بل لأنّه هو الصالح.
ثمّ يأتي الإصحاح السابعوالثلاثون برؤيا القيامة. بيت إسرائيل، بشرياً، مغلق عليه كما في قبر لكن اللهيقيمه. إنّها رؤيا العظام اليابسة. هذه العظام هي كل بيت إسرائيل القائلون:"يبست عظامنا وهلك رجاؤنا. قد انقطعنا". لكنْ يتنبّأ النبي ويقول لهم:"هكذا قال السيّد الربّ. هانذا أفتح قبوركم وأُصعدكم من قبوركم يا شعبي...فتعلمون أنّي أنا الربّ عند فتحي قبوركم وإصعادي إيّاكم... وأجعل روحي فيكمفتحيون..." (37: 12 – 14). وفي الرؤيا عينها أن العظام تتقارب ويكسوها العصبواللحم وينبسط عليها الجِلد، ثمّ يدخل فيها الروح فيحيون ويقومون على أقدامهمجيشاً عظيماً جداً.
بعد ذلك، بين الإصحاحينالأربعين والثامن والأربعين، يستبين الهيكل الجديد الذي يقيم فيه مجد الله وكذلكالحياة المقدّسة التي "تخرج من عتبة البيت نحو الشرق وتذهب إلى البحر فتُشفىالمياه". البيت إنما هو جسد الربّ يسوع الذي قال لليهود أن ينقضوا الهيكل وهومقيمه في ثلاثة أيام، وكان يشير إلى هيكل جسده وقيامته. أما المياه المقدّسة التيتشفي العالَمين فهي التي جرت من جنب السيّد وتملأ الدنيا ضياء وتحيل الأمم إسرائيلجديداً.