الكذب
كتاب(هكذا أقول لكم)
جيد أنْ يتجافى عنكَ قول الزور، وأنْ لا تستخدم عبارات ملتوية، وكلمات ذات معنيين. أنْ لا تملأ خيالاتكَ بالكذب وتسترسل فيه، لئلا تجلب على نفسكَ الشر، أو الويل. وأنْ لا يجري لسانكَ بغير الحق ولا تخشى في الحق لومة لائم. أنْ لا تكون حياتكَ كذبة كبيرة، وأنْ تلبس الحق باطل.
فالكذب إنْ هو كلام أقرب شيء إلى الباطل، بل يكون الباطل في ذاته. الكذب هو أنْ يرتفع المرء بخياله فوق حقيقة الأشياء، إذ يضيع بين الكذب والحقيقة. هل اكتشفتَ الكذب وحاربتَ تأثيره؟ هل تستخدم عبارات ملتوية، وكلمات ذات معنيين ؟ فالحقيقة لن تغيرها الأكاذيب البتة. فالذكب فقر أخلاقي ينخر في جذور المجتمع. فالكذب هو أنْ تجانب الصواب إلى حد كبير، بغية أنْ ينهار الحق ويتحطم كل شيء. هو أنْ ترمي بذخيرة فارغة، في أرض القتال.
ليس ثمة ما يدعوكَ إلى أنْ تستمرئ الكذب، إلا إذا كان ينبع من كبرياء شديدة، ومن قناعة. أنْ تختار هذا النهج أنْ تصبح مناقضا في الاعلان عن الحق، أنْ تبني له دفاعات، فبناء حالة من عدم الاستقرار، يؤدي إلى الانهيار، وإلى سقوط كل الدفاعات. رغم أنّ اليأس بادٍ على وجهكَ، فالكلمات تخرج من فيكَ متلعثمة، غير واضحة.
وبقدر ما تنحرف الحياة عن الاستقامة، بقدر ما يختبر المرء الضلالة. يتعالى صدى الصوت في المحاكم عند القسم، أنْ أقول الحق كل الحق، ولا شيء غير الحق، وهذا برهان قاطع أنّ المحاكم تخشى الكذب خشية كبيرة، بغية تغيير مسار العدالة، وطمس الحقائق، أما في الأحوال الاعتيادية، فالكذب هو مثل شرب الماء، رغم أنّ الكذب هو خصلة ذميمة وصفة قبيحة وعمل مرذول، ينبغي تجنبه بل وردعه.
فالكذب هو أنْ لا تقول ما لا ينبغي قوله، وقد كان عليكَ أنْ تقول ما ينبغي قوله بالصدق، والحق. فالكذب هو مجافاة للحقيقة، ومحاولة على الانقضاض على مبادئ الحق. الكذب أنْ يخبر المرء عن شيء بخلاف الحقيقة، وهو نقيض الصدق. وهو الابتعاد عن الحق، والانزواء في ظلمة الباطل. وهو المنفذ الذي يقود الكاذب لكي يتهرب من قول الحق. الكذب هو أنْ تقول أمرا تعرف أنّ غير حقيقي، بهدف الخداع، وأنْ تعطي انطباعا، أتصرفا، حاصة بنية الخداع. أو أنْ تجعل أمرا كاذبا لكب تتهرب من الحق.
حارب الكذب وتأثيره، لأنّ مذاقه كريه. الكذب قبيح جدا، بذاته، وبشكله، مقصودا كان أو غير مقصود، ويقال إنّ الكذب يكون قبيحا إذا كان المقصود به، إضلال الناس، أيْ إخفاء الحقيقة تعمدا، في محاولة للانقضاض على مبادئ الحق، والانزلاق إلى حالة من الفوضى والقلق، وهدم بنيان الحياة.
هناك الكثير من ضحايا الكذب ممن قيدتهم أغلاله، ولم يتمكتوا أنْ يتحرروا منه، ومن نيره القاتل، بل هم خاروا تحت ثقله كل أيّام حياتهم، وجلبوا على أنفسهم الويل والعار، ولم يتمكنوا التراجع عنه وعن ويلاته المدمرة البتة، بل أنّ حياتهم صارت كذبة كبيرة. هم باتوا على نقيض كل هو صادق وحق، فحاولوا أنْ يملئوا خيالاتهم بالكذب، ، ويحاربوا تحت سلطانه.
وهناك من ذهب إلى أعمق من ذلك، لكي يقول إنّ الكذب ليس دائما سيئا، وأنّ الضرورات تبيح المحرمات، وهذا المبدأ يجيز الكذب في أمور ما، وذلك خشية من العواقب. فالفرد قد يكذب ليحقق أمورا لا تتحقق إلا من خلال الكذب، ما دام سلب لحقوق الله والعباد، خوفا مما قد يقع عليه من عقوبة. وهناك من يلجأ إلى الكذب باختيار، ليسلب ما يستطيع سلبه، لتجنب العواقب، بل ومن يدافع عنه، ويسوّغ الكذب، بغية تضليل أعداء الله كما يزعم هذا الفريق الغريق، أو ذلك، وقد نسي أولئك أنّ إحدى صفات الشيطان هي الكذب.