عظة للأب PHILIP LEMASTERS
لا، نحن لا يمكن أن نحل جميع مشاكل العالم أو حتى كلّ المشاكل الشخصية الخاصة بنا.
ولكن يمكننا متابعة ربنا بقدر ما في وسعنا، والصلاة وتقاسم الموارد مع إخوتنا وأخواتنا في معاناتهم...
ومعاناتهم.
العالم اليوم بات صغيرًا لكل من الخير أو الشر. يمكنك السفر مثلًا إلى أي بلد في بضع ساعات
كما يمكنك أن تتّصل بأيّ بلدٍ في العالم وتتكلّم معه بالصوت والصورة.
ولكن هل هذا يجلب السلام للنفوس؟
أنظروا هذه الدنيا، مشاكل العالم تزداد يومًا فيوم وهي مكشوفة للجميع،
وخاصة بوسائل تكنولوجيا الاتصالات الحديثة.
نحن نسمع ونرى الأخبار السيئة من أوكرانيا والعراق وغزة واسرائيل وسوريا،
وغيرها من الأماكن. ننظر إليها ونحن عاجزون عن حلّها لا بل أصبحت خارج السيطرة،
ولكن غسل أيدينا من المسؤولية وعدم الاستجابة لمعاناة الآخرين ليس مسيحيًا على الاطلاق.
يجب علينا أن نفعل ما في وسعنا للتخفيف من معاناة جيراننا أينما كانوا،
ويكون لهم ذكرًا في صلواتنا، كما يجب تقديم الموارد بحسب طاقاتنا عندما تكون هناك حاجة إليها،
والأمر الأهم هو أن نرفض اليأس. المسيحي لا يأس بتاتًا مهما عظمت المشاكل من حوله.
عندما نذكر القدّيس تيمون الذي هو واحد من الرسل السبعين في الكنيسة وأحد الشمامسة الأساسيّين المذكورين
في سفر أعمال الرسل، يجب أن نعرف أنّه أصبح أسقف بصرى في سوريا، وفي نهاية المطاف شهيدًا.
اعتنق الكثير من العرب الإيمان المسيحي على يده، وهذا خير دليل على
وجود مسيحيين عرب في الشرق الأوسط منذ بداية إيماننا.
علينا أن نتذكّر القديس تيمون بتقدير كبير خاصة في أنطاكيّة لما لعب من دورٍ مهمٍ جدًا
وحاسمٍ في بناء الكنيسة وتنصير جزء من العالم حيث بدأ إيماننا.
كما نعلم جميعًا، تدور رحى الحرب الأهلية الفظيعة في سورية منذ بضع سنوات وهي مستمرّة حتى الآن.
الجميع هناك يعيشون معاناة فظيعة وهناك الملايين من اللاجئين، وأكثر من 150،000 لقوا حتفهم.
واليوم العراق والموصل وغدًا لا نعرف أين؟
تم تدمير كنائس وتدنيسها، وليس هناك من كلمة واحدة عن حالة اثنين من الأساقفة الأرثوذكس الذين خُطفوا
ونحن نصلّي لهما ولهذا الوضع في كلّ خدمةٍ.
الوضع خطير حتى أن المسيحيين الأرثوذكس الذين كانوا يقدّمون المساعدات للآخرين يقفون اليوم
لتلقّي مساعدة لأنفسهم.
في مثل هذا الصراع، ملايين من الناس الأبرياء يحترقون بين الفصائل المتحاربة ويحاولون بالكاد البقاء على قيد الحياة مع شح كبير من الموارد الحيوية والأساسيّة.
العالم هو مكان صغير اليوم للخير وللشر، وربما أكثر من أي وقت مضى، منذ أيام قايين وهابيل،
والبشر هم ضد بعضهم البعض ويحاولون اقناع أنفسهم أن الله لا يؤمّن لهم الأمان على غرار ما نفعله نحن.
أنظروا جيّدًا، حتى الدول والفصائل السياسية، والجماعات العرقية في كثير من الأحيان تكره بعضها البعض،
وترفض أن تغفر أو تقديم أيّ تنازلات قد تكون لخير الجميع. هناك الكثير من هذه المواقف في الشرق الأوسط،
سابقًا وتستمر إلى يومنا هذا.
لا يسوع المسيح لا يعمل بهذه الطريقة.
في إنجيل اليوم، أعاد الرّب يسوع، على مرأى من الرجال اليهود، النظر إلى أعمين كما طرد الأرواح الشريرة
من رجل لاستعادة خطابه.
آباء الكنيسة يرون في هذه الحوادث علامة واضحة لكل من اليهود والوثنيين معًا
من أجل التخلّي عن عبادة الأصنام وتقديم الحمد للإله الحقيقي.
كان ذلك شيئًا صادمًا جدًا قام به المخلّص كما عبّرت الحشود أن لا شيء من هذا القبيل
قد شوهد من قبل في إسرائيل.
لأنّه هو المسيح انهارت كلّ عناصر التمييز بين اليهودي وغير اليهود؛ به، يتم الوفاء
بالوعود لإبراهيم للبشرية جمعاء.
كما كتب القديس بولس إلى أهل غلاطية (29:3)،
"فإن كنتم للمسيح فأنتم اذًاً نسل ابراهيم وحسب الموعد ورثة".
في الإيمان المسيحي الحقيقي ليس هناك أساس ديني لتفضيل أي مجموعة عرقية
أو جنسية على أخرى. بغض النظر عمن نحن أو الذين كانوا أجدادنا، نحن جميعًا
نجد الخلاص من خلال الرّب الواحد، آدم الثاني، ومعه، كلّ الانقسامات البشرية الفاسدة تجد الشفاء.
وهذا ما كتبه القدّيس بطرس، الكنيسة هي " جنس مختار وكهنوت ملوكي، أمّة مقدّسة" في يسوع المسيح.
(1 بط 9:2)
كما إسرائيل الجديدة، الكنيسة ليست مملكة دنيوية أو قوّة عسكرية.
الرّب على وجه التحديد رفض كلّ إغراء لاقامة الحكم الدنيوي طوال خدمته،
ويجب علينا أن لا ننخدع من كلّ من يحاول إقناعنا بأن أي أمّة أو مجموعة عرقية
أو حركة سياسية سوف تستهل في مملكة السماء أو هي خلاص العالم.
وكوننا مسيحيين أرثوذكس لا يجب أن نسقط في أي شكل من أشكال الوثنية السياسية أو العرقية أو غير ذلك.
بدلاً من ذلك، يجب علينا بتواضع اتبّاع الطريق الصحيح التي رسمها بوضوح مخلصنا،
وتوفير الرعاية والرحمة لأولئك الذين يتحمّلون أعباء عالمنا المكسور،
وأن نعمل على بلسمة جراحهم بقد ما في وسعنا كعلامة صاحب الخلاص،
التي تمتد إلى جميع الذين ندعو لهم من أعماق قلوبنا بالإيمان والتوبة والمحبة.
قد يبدو وكأنّها ضعيفة وهشّة للعيش، ولكنّها في الواقع الأقوى شدّةً والأكثر صعوبةً
التي يمكن أن تُطلب من البشر.
كما ذكّر القدّيس بولس القدّيس تيموثاوس بأن يكون المرء مسيحيًا مخلصًا هو أن يكون مثل جنديًا منضبطًاً،
واحدً في التفكير، ويرفض أن يُصرف من مهمّته، ومثل الرياضي الذي ينهض باكرًا ليعمل في رفع الأوزان
واستكمال التدريبات التي لا نهاية لها من أجل المنافسة وتحسين قدراته بأفضل ما يمكن وفقاً للقواعد،
وأيضًا مثل المزارعين الذين تتمحور حياتهم حول المحاصيل
والذين يعملون من الشرق إلى الغرب وفي جميع أنواع الطقوس المختلفة وتقلّباتها لجلب الحصاد.
القدّيسون بولس وبطرس وتيموثاوس وتيمون كانوا شجعان وأقوياء بالإيمان
وتعزّزت حياتهم من خلال هذا التفاني والشجاعة العنيدة حتى أنّهم أصبحوا
جميعًا شهداء رافضين التخلّي عن يسوع المسيح إلى درجة الموت.
في عالمنا، المليء بالكراهية، والألم، والمعاناة، لن يكون لأي شخص منّا فائدة
إذا اتبعنا الطرق السهلة والسائدة حول "نحن" مقابل "هم".
العالم لديه كفاية من الناس الذين يكرهون، ويرفضون أن يغفروا،
ولا يهتمون إلا بأنفسهم وبما هو لهم.
لاتّباع طريق يسوع المسيح، يجب علينا القيام بالعمل الشاق لإظهار محبّته ورحمته للجميع
وذلك إشارةً إلى أن المملكة الحقيقية أي الملكوت ليس من هذا العالم بل موجود
بالفعل في حياة الكنيسة جسد المسيح.
ملكوته موجود بالفعل في قلوب وحياة أولئك الذين يحبّون جيرانهم كما أنفسهم،
الذين يغفرون لأعدائهم، والذين يحوّلون الخد الآخر عندما يُساء إليهم،
والذين يقدّمون خطوة في تصميم نموذج لحياة المصالحة وصنع السلام
التي من شأنها جذب الآخرين في يوم جديد من عهد الله.
لا، نحن لا يمكن أن نحل جميع مشاكل العالم أو حتى كلّ المشاكل الشخصية الخاصة بنا.
ولكن يمكننا متابعة ربنا بقدر ما في وسعنا، والصلاة من أجل الجميع وتقاسم الموارد
مع إخوتنا وأخواتنا الذين يعانون في سورية والعراق وفي كلّ الأمكنة.
يمكننا الرد على كلّ ما نسمع من أخبارٍ سيئة بالصلاة الصادقة لضحايا التمييز
وحول ما يمكننا القيام به عمليًا. مثل الجنود، والرياضيين، والمزارعين يجب علينا الاستمرار
في التركيز على تلبية دعوتنا لتكون وفيّة في فعل ما دعا الرّب منا أن نفعل.
وبالتواضع الأقصى يجب أن نترك الباقي في يديه، لأنّه هو حقًا مخلص العالم.
المصدر: منقول من أبرشية طرابلس و الكورة للروم الأرثوذكس