لَيْسَ لَكِ اللَيلُ
كانتْ فيّ رغبة، تترنح كالشجرة قبل سقوطها،
ومثل سفينة أمست عرضة للغرق.
لا تعرف نهاية الليل من بدئ النهار،
ترقص فوق الآلام،
وتمضي بالمرء إلى الموت بقلب فرح.
ومن فرط سروري رحتْ أجهشُ في البكاء،
إذ تملّكني إحساس غامر بالراحة والطمأنينة،
مدّ جذوره إلى أعماق أعماقي.
فقد تجسدت الكلمات وأعادت إليها ذكريات الأيّام الغابرة.
وإنْ كان الإنسان لا يستطيع أنْ يرى مستقبله،
ولا يؤمن بالرجم والغيب،
ويرفض أيّة مقارنة.
لكن ليس في وسعي أنْ أخدع نفسي وأغفل شيئا،
إذ تركتْ فيّ أثرا لا يمحى قط، إذ أنني كنتُ أرى رؤى الماضي في خاطري.
كنتُ في موقف أستطيع أنْ أرى كل شيء،
أرى الماضي أكثر وضوحا، كأنه جليد متجمد.
وكأني عدتُ إلى نقطة البداية.
فأشرق النور يرسم بسناه المستنير،
درب الحياة، والمبادئ التي أرستْ عليها.
لا يدع شيئا يؤخر أو يقف في الطريق.
غمرتْ موجة عارمة من الغبطة والدهشة كلّ جوانحي، وكلّ كياني،
وراحتْ تتسع و تمتدّ إلى أعمق أعماقي.
انتشتْ نفسي من خمرة الموعد المرتقب واللقاء الجميل،
وطارت شعاعا،
وأطلقتْ العنان لتسبح في جو شاعريّ المعالم،
لا تتعداه حدود، ولا يقيده الزمن،
تقوده إلى حيث لا يعلم.
غمر نفسي شوق عارم قاتل،
إذ تاقتْ إليكِ كثيرا جدّا أيّتها الحبيبة الصغيرة.
اشتاقت إليكِ بل عطشتْ في ذلك الليل البهيم المدلهمّ.
هزنّي الشوق طربا،
وأجّج الوجد في كياني نارا مضطرمة،
لا يخبو أوارها،
ويوجف الحبّ فؤادي،
وكانت الغيرة تسيطر علي وتدمي قلبي،
والحيرة تنهش أعماقي.
أجل أنّ الأشياء كلّها تقاربتْ وتلاقتْ عند أمر واحد فقط، لا غير،
لا يتحمّل جدلا ولا سفسطة، لا ظل دوران،
ألا وهو اللقاء العتيد، الذي بات على قاب قوسين أو أدنى،
إنه الحقيقة الواقعة التي لا يمكن ضرب الصفح عنها،
الحقيقة التي عشتُ أنا كل فصولها لحظة فلحظة،
وكأني أرى نهايتها بوضوح تام.
اللقاء الذي أعطيته طاعة عمياء،
فبات يؤرق نفسي،
ويوقظ في قلبي، رغبات، ورغبات،
ويترك الأمور تسير على ذلك النحو،
يعرف كيف يدفعني إلى النهاية.
فمن يضع يده على سر ما،
فإنه لن يفلته قط.