حدث في الأيام التي كان يخدم فيها المسيح قبل أن يدخل آلامه، أن طلبت منه العذراء أمه أن يسبق ويعرِّفها قبل انتقالها بثلاثة أيام، بميعاد خروج نفسها من الجسد،
وأن يتكرَّم باستلام روحها بنفسه مع الملائكة.. فاستجاب لسؤالها في رؤيا.. وقال لها: "عندما يأتي إليك "جبرائيل" بغصن نخيل علامة، اعلمي يقينًا أن وقت
نياحتك قد قَرُبَ. وسآتي بنفسي مع طغمات السماء لآخذ نفسك، أما جسدك فسوف يُحمَل إلى السماء".
وقد تم بالفعل أن أتاها الملاك، وهي تصلي، وحضر جميع الرسل ما عدا "توما"، وأعلمتهم أنها سترحل غد ذلك اليوم. فأمضوا الليل كله في الصلاة..
وفي يوم الأحد الساعة التاسعة صباحًا، وإذ بالروح القدس يحل في سحابة كالتي كانت تُظَلِّلهم يوم التجلي.. ولما تراءى الرب لهم سقطوا على وجوههم، ثم ارتفع
وفي يديه روح العذراء.. ولما أفاق التلاميذ من ذهولهم، قاموا وحملوا الجسد المقدس ونزلوا به من فوق جبل صهيون، وانحدروا به نحو وادي يهوشافاط كقول
الرب لهم.
وبعد أن أوسدوا الجسد في القبر -وأغلقوه-، فجأة أبرق حولهم نورٌ من السماء، فسقطوا على وجوههم، ثم جاءت الملائكة وأخذوا الجسد المقدس، وصعدوا به إلى
السماء دون أن يشعر بهم أحد.
وفي هذه الأثناء قدم توما، وصادَف الجسد والملائكة صاعدون به على جبل الزيتون. فأخذ يستصرِخ العذراء ويتوسِّل إلى روحها أن تُظْهِر نحوه مَسَرَّتها به ليفرح
قلبه.. وإذا بزِنارها (منطقتها أي حِزامها) الذي كان الجسد ملفوفًا به يسقط عليه من السماء، فالتقطه وسَبَّح الله.
ثم انحدر إلى التلاميذ، وإذا بطرس يبتدره بقوله: "لولًا شكَّك وعدم إيمانك لما حُرِمت هكذا من حضور نياحة أم المُخلِّص، لأن الله لم يسرر أن تكون بيننا في دفنَها
بسبب عدم إيمانك". فأجاب توما قائلًا: "أطلب الصفح".. ثم أخذهم ودخل إلى القبر، وكان جديدًا منقورًا في الصخر، ورفع الحجر فلم يجدوا الجسد.
حينئذ ابتدأ توما يشرح لهم الخبر؛ كيف أُخِذَ بالروح أثناء خدمته، ووجد نفسه على جبل الزيتون، ورأى جسد العذراء الطاهرة مريم صاِعدًا إلى السماء. وكيف
توسَّل إليها أن تمنحه بركة، فسقط عليه زِنارها الذي كان الجسد ملفوفًا به. وفي الحال أخرجه لهم وأراهم إيّاه. فلما فحصه التلاميذ وجدوه أنه هو هو الذي
وضعوه بأنفسهم حول الجسد المقدس.. فمجَّدوا الله.
أما عن الزِنار، فقصَّته مشهورة جدًا عند أخوتنا السريان، وهو موجود الآن في كنيسة "أم الزنار" في حمص بسوريا.