الله يراني للطوباوي اسطفان نعمة
+++++++++++++++++++
جبليّ تربّى على حبّ الأرض التي تنفح منها قداسة استثنائيّة،
فتشرّب منها وكبر في جوّ عابق بالتقوى والفضيلة والصّدق ومخافة الرّبّ،
في بلدته حردين، بلدة الثلاثين ديراً وكنيسة.
فكان درب الرّبّ يناديه ويزيده شوقاً إليه. فدخل يوسف كسّاب دير مار أنطونيوس قزحيا
في العشرين من عمره، مملوءاً بنعمة الله
وبات يُعرف بالحرديني كنز الرهبانيّة اللبنانية المارونية التي ترأس إدارتها ثلاث مرّات.
في حنايا دير كفيفان، عمل في الخياطة وتجليد الكتب، اعتنى بالحقل،
تشرّب أصول العلم واللاهوت والفلسفة،
بحيث كان مثالاً في الغيرة على تحصيل العلوم مع المحافظة على جميع الرسوم والقوانين الرهبانيّة.
عاش الحياة الديرّية المشتركة، فتقدّس من خلالها هذا "الراهب القانونيّ"
بل "القانون الرّهبانيّ الحيّ "الذي أتى ليَخدِم لا ليُخدَم، لم تغره المراكز
التي تبوّأها بأمر الطاعة، بل كرّسها كلّها لخدمة الله والرهبانيّة، فلطالما كان يردّد:
"إنّي أسألُ الله ألّا أموتَ وأنا حاصلٌ على وظيفة."
كان نموذجاً حيّاً لراهب قدّيس متواضع ووديع،
ذاب في الله فعاش متنسكاً ومتقشّفاً،
يعمل ويجتهد في الصلاة والصوم والتأمّل ساجداً طويلاً أمام القربان المقدّس،
يتقدّس بالقانون في زمن عصاه الكثيرون، فكانت كلمته الخالدة المدوّية:
"الشاطر يلي بيخلّص نفسو."
كان قلبه مشدوداً دائماً إلى الكنز السماويّ، إلى نور وجه المسيح وبهائه.
رفيقاه الدائمان: الكتاب المقدّس وكتاب أمجاد مريم التي أحبَّها حُبّاً بنويّاً،
بل كان هائمًا بهذا الحبّ.
ولذلك كان اسمها المبارك على شفتيه بلا انقطاع، يستغيثُ بشفاعتها ليلاً ونهاراً،
يشخص إلى صورها المقدَّسة، ويتنفّس الصعداء كأنّه يريد أن يخرج من سجن الجسد
ليتمتّع برؤيتها في دار الخلود.
وكان، كلّما دخل قلاّيته أو خرج منها، يسجد أمام أيقونتها،
ويحيّيها بسلام الملاك. وكان يُكرِّمُ، بنوع خاصّ،
سرَّ الحبل بها البريء من الدّنس، وذلك حتّى قبل تثبيت الكنيسة لهذه العقيدة.
كرّم القدّيسين وتمثّل بهم.
اشتهر بحكمته ونقاوة قلبه وضميره.
تجرّد عن العالم وعن كلّ ما يعيق رياضاته الروحيّة ساعياً نحو الكمال الإنجيلي.
عُرف بجرأته، لا يحابي الوجوه ولا يستهويه مديح، يُسرّ في حال الامتحان
غير مهتمّ سوى بإرضاء الله.
أثناء القدّاس، كانت ترتسم على وجهه إمارات الفرح والسرور
محرّكاً عواطف الإيمان والعبادة في قلوب الحاضرين،
وكانت دموعه تنهمر عند كلام التقديس.
على يديه تتلمذ القدّيس شربل، فكان خير معلمّ لخير تلميذ رغب القداسة
وعاشها كما نقلها إليه الحرديني في تعاليمه.
عند الألم، كان يسوع طبيبه الوحيد، في البرد، لم تدفئه سوى حرارة كلمة الرّبّ.
تحمّل الآلام وقهر جسده وجلد ذاته لأجل المسيح مسلّماً نفسه لمشيئته دون اضطراب أو همّ.
أظهر الله عظمته من خلاله فاجترح العجائب وهو لا يزال على قيد الحياة،
لتنهال النعم على المؤمنين بغزارة منذ لحظة رقاده
فأشعّ نور من قبره، نور أضاء قلوب الكثيرين كانوا قد ضلّوا النور الحقيقي
الذي عاد ليسطع في نفوسهم من جديد مع قدّيس كفيفان أعجوبة عصره
وإحدى أرزات لبنان التي تقدّست فشمخت
وجاورت الرّبّ في مسكنه. صلاتة تكون معنا ولربنا المجد دائما امين .
+++ +++