كُنْتُ مستعبدا (4)
يا لفراغ الأشياء التي أنا فيها،
أنْ أنجذب إلى أشياء لا ينطق بها،
بغية أنْ أكسب وجودي الأرض القصير معنى أبديا!
إذ كنتُ ألهث وراء الأشياء،
مشدودا إلى محبة الأشياء،
كل الأشياء،
أتوق أنْ أسير برفقتها،
بل أرتفع بخيالي فوق حقيقة الأشياء،
وأستخلص الفرح واليقيت من أشياء محطمة.
أحاول أنْ أثير عاصفة،
وأحملُ حربي إلى أطراف الجحيم نفسه،
أضع قدما في الزمن، وأخرى في الأبدية،
وأحكم عمدا على الحياة، التي توجّتها،
رغم أنّ حساب الحقل لا يتفق مع حساب البيدر!
فذلك انقلاب كامل على الحياة،
أنْ يحيا المرء بين ظلال الخير والشر!
فالحق والباطل هما مبدأ الأمم!
أضع نفسي تحت يدها القوية،
متسلقا وراء ميول رديئة،
أضع نفسي تحت تصرف إرادتها!
ألتفتُ هنا وهناك،
وأغذّ الخطى إليها،
كالطفل الذي تكون نفسه فارغة ومستعدا لتلقي كل شيء،
أندفع إلى ارتكاب ضروب من الجنون،
لأعمل على تقويض الحياة ذاتها،
بغية أنْ أعبّ من بحر الملذات ما وسعني.
إذ كنتُ أغرق في لجة مسراتهأ،
كنتُ أترنح كالشجرة قبل سقوطها،
ولا يحلو لي العيش من دونها،
كان في وسعي أنْ أتألم كثيرا من أجلها،
فقد كنتُ ظمآنا إليها،
ظمآن لكي ينتهي بي المطاف على ما أنطق به.
ظمآن إلى الفرح،
ظمآن إلى بهجة غامرة تضجّ في جوانحي،
ظمآن إلى شيء يثير انتباهي،
ظمآن لكي أضرب على بيادر الألم.
ظمآن لكي اغرف من ملذات الحياة، ما شئتُ.
ظمآن إلى ثورة تهز كل أعماقي،
فأكسب معركة الحياة، وأبسط شقق مسكني.
ظمآن لكي أقلب الأمور رأسا على عقب!
ظمآن لكي أدع القارب يجري عكس التيار!
ظمآن إلى ذلك الاسترخاء الذي يعقب المعارك،
ظمآن لكي أنزع الشوكة من الذكريات المؤلمة.
ظمآن إلى خيالات تبدو لي حقائق،
ظمآن أنْ أقيم جسرا فوق الهاوية التي تفصل بين الموت والحياة.
إلى وراء الكلمات.
كنتُ أقتات السوف،
على الخيالات،
لم تتركني الحيرة قط،
لكي ألتقطع أنفاسي،
وتهب مثل عاصفة هوجاء،
كانت تنتابني كل أيّام حياتي،
مثل وطأة الموت،
تمزقني،
ترهقني
تنهكُ قوايَ،
تطرحني في الماء،
وفي النار،
إزاء أحساس واحد فقط.
كانت تتحكم فيّ الأنانية،
وتكبلّني من هامة رأسي حتى أخمص قدمي،
تستعبدني،
تسلب راحة قلبي.
كنتُ أدور أدور في حلقة مفرغة،
كنتُ أدور كالأعمى من غير أنْ أعلم شيئا مما أفعل.
كنتُ غريبا عن الزمن،
بعيدا عن الليل والنهار،
في مسعى أبحث عن ذاتي،
ألملم أحلامي،
بغية أنْ الهب قلبي بالمسراتِ.