ابنائي المحبّين لله،
براءة الانسان المؤمن، تنبع من عُمقه المصلوب في عشق الله، مُحرقاً ايّاها
من اشواك الخطيئة والاهواء، فلهذا تراه يَلْهَجُ صباحاً ومساءاً بكلمات الله،
باحثاً عنها أينما حلّت ولو في اوقات الحرب والنزاح الاليم ايضاً.
بهذه الكلمات البسيطة ولكن الجوهريّة ايضاً اتوجّه اليكم جميعاً، انتم احبّائي
الذين اختاركم الله لي ابناءاً بالنّعمة، لأعايدكم اليوم بهذا الاحتفال
الذي أقمناه بابتهاج وعظمة رافعين الصّليب الكريم المحيي في كنائسنا،
وهذا لندلّ على ان الصّليب ولو كان موضع الم وحزن ووجع للسيّد
لكنه به انتصرنا وهو نصرتنا، والانتصار يُرفع لا لأنّه آتٍ من بعد سقطة فقط
ولكن لان الذي مات عليه قام بالحقيقة لكي يُقيم كل السّاقطين بالخطيئة
الى ملكوت مجده.
الصّليب يعلّمنا ان لا ننزح من ايماننا رغم التّجوال الاليم الذي نقوم به
في بشرّيتنا الضعيفة.
الصّليب نرفعه اليوم لا في كنائسنا فقط لنقول انه علامة الفرح والانتصار
فحسب ولكن لنرتفع نحن عليه بالحري، صالبين شهواتنا وكل ما تخلّف عنّا
من محبّة الله والآخر، عائدين ادراجنا الى المحبّة الاولى التي فقدناها
بسببٍ من الاسباب البشريّة.
الصّليب كان علامة عار عند الرومانيين، وأمّا بالمسيح فقد امسى
وما برح ليكون علامة عزٍ وقهر لابليس وأعوانه ومكايده الفاشلة
لان الدم الالهيّ سُفك مرة عليه، ولكنّه ما زال ينزف قطرات حبٍ
لخلاص شعب كاد ان يلتمس منه خلاصاً في سيره وراء الفرح
الذي يأتيه هذا الصّليب المجيد المكرّم.
الصّليب، ليس علامة لتشير اننا مسيحيين فقط، ولكن ليقول لكلّ مَن يرتديه
ان بالصليب قد اتى بالفرح لكل العالم، والمسكونة ترقص طرباً
حيث ان الخلاص اتى بذاك الذي صُلب عليه ليقيم عنا علامة العار والخزي
ويجعل من حقارتنا البشرية مجداً في ملكوته، فلا نبقى عبيداً من بعد
لان الذي اتّبع الرب امسى تلميذاً حبيباً واقفا عند صليب يسوع
مشابهاً التلميد الحبيب يوحنا، الذي كان ينتظر بشغف نهاية قصّة يسوع
على الصّليب، مؤمناً بحرارة ان من بعد هذه النهاية الجزئية
لا بدّ ان يكون هناك حلقات تتبع، والتي بها تكون انتصارات وقيامات
لا فقط مجرّد علامات! بها نفتخر ان الرب لم يُصلب الا لكي يقوم من رمسه
مُمَجَّداً بمجد عظيم جداً.
اليوم، تحتفل المسكونة برفع صليب ربّنا والهنا ومخلّصنا يسوع المسيح
وتأتي الكنيسة لتقيم من هذا العيد اليوم تشجيعاً للمؤمنين على الثبات
والاستمرار في كل خير هم قائمون عليه، لاس يّما في حياتهم وجهاداتهم
الروحيّة ضد الخطيئة المنظورة وغير المنظورة
وتذكّرهم ان يوم الجمعة العظيم يتكرّر ايضاً اليوم
وكما ان ذاك اليوم هو عظيم كون الذي شُلِحَ على الصّليب صلباّ
قد رقد بالجسد نوماً مؤقّتاً، هكذا نحن اليوم في هذه الاونة
التي نعايش فيها الكثير من الصّليبيين، المانحين ايّانا
(من دون علمهم) فردوساً، بصلبهم ايّانا يشقّون لنا ابواب الملكوت
يدفعوننا افواجاً افواجاً، مخطوفين ومقتولين من جرّاء العذابات المريرة
مشابهين بهذا سير حياة القديسين العظماء في الشهداء
كأمثال القديس جوارجيوس اللابس الظفر وذيميتريوس المفيض الطيب
وثيوذوروس التيروني والقائد الجيش، وميناء الصانع العجائب
والشهيدين في الكهنة خرالامبوس (فرح) والفثيريوس (حُرّ)
ومن الشهداء ايضا مجموعة نساء قضين على الارضيّات
حباً في اتّباع المعشوق السماوي، فكابدن العذابات
بلسماً في مَن صُلب على الصّليب طوعاً بارادته لخلاص شعبه
الذي احبّه كلّ هذا الحب، مرتفعين معه الى قيامته التي لا تنضب
من رحمته وحنانه وعطفه كل يوم في حياة البشر
أينما حلّوا ومجرياتها
آمين.