كتابٌ منسي
الإنجيلُ هو كلمةُ اللهِ المكتوبة، هذا الكنزُ الـمَنْسيُّ على رفوفِ مكتباتِنا وفي جُعبةِ أغراضِنا قد نمتلكُهُ، وأحياناً أُخرى قد لا نمتلكهُ!. الأرثوذكس يُهمِلون كتابَـهم فتَنقَضُّ البِدَعُ على النُّفُوس الضَّعيفةِ،فيُفسِّرُ هؤلاء المبتَدِعون الكتاب المقدَّسَ بحسب أهوائهم. لذلك، صَدَقَفيهم القولُ: "إنَّه دخلَ إلى العالم مُضِلُّون كثيرون، لا يعترفون بيسوع المسيح آتياً في الجسد، هذا هو الـمُضِلُّ، والضدّ للمسيح" (2يو 1: 7) وأيضًا في رسالة يهوذا (18-19): "في الزمان الأخير سيكون قومٌ مستَهْزِئون سالكين بحسب شهوات فجورهم، هؤلاء هم المعتزلون بأنفسهم نفسانيُّون لا روح لهم".
لا نَخَفْ أيها الأحبّاء، نحنُ لَسنا أهلَ الكتابِ والحرفِ فقط، نحن كنيسةٌ حيَّةٌ بروحِها، بآبائهِا وبقدِّيسيها. هذا الروح الَّذي ألهمَهُم في تفسير الكتاب المقدّس هو قادرٌ اليوم، في هذا العصر، أن يجعلَ مِنّا آباءً وقدِّيسين حامِلين رايةَ الكتاب المقدّس على غرارِهم.من أرادَ أن يكون قدِّيساً مثلهم فليُعاشِر هذاالكتاب، من تكوينه حتى رؤياه،إذهو يُخاطِب الإنسانَ في كلِّ عصرٍ ووقتٍ!
الكنيسة الأرثوذكسيَّة كنيسة عِشْرَة للكلمة الإلهيِّ ومن صادقَ القدِّيسينَ صار منهم ومثلهم كلمة من الكلمة.
"كلُّ الكتاب هو موحىً به من الله ونافعٌ للتعليمِ والتوبيخِ، للتقويمِ والتأديب الذي في البِرّ" يقول الرسول بولس في رسالته الثانية إلى تيموثاوس (3: 6). نحن نُسمِّي الكتاب المقدّس أيضًا "الكتُب"،لكنّه كتابٌ واحدٌ، مقدسٌ، ويمتلكُ وحدةٌ أساسيةٌ جوهريّة، صحيح أنه متعددُ الأجزاءِ لكنَّ الهدفَ منه واحدٌ، وقصدُ الله منهُ وتَدخُّلهِ في التاريخ البشري واحدٌ، غايتهخلاص الإنسان.
الله لا يُلغي شخصيَّتَنا الخلاّقة، لا بل يُعزِّزُها، فالنِّعمة الإلهية تعمل بالتآزُر مع حرِّيَّة الإنسان: "نحن شركاء في العمل مع الله" (1 كور 3: 9)،"الله لا يُرَغِّب، هو لا يُملي، لأنَّ العنفَ غريبٌ عن الطبيعة الإلهيَّة". (رسالة ديوغنيتوس القرن 2م.).
الإنجيلُ كلمةٌ حيَّةٌ، وعلينا أن نكونَ هذه الكلمة المكتوبة بقلوبٍ لحميَّةٍ على غرار قول الرَّبِّ في نبوءة (حزقيال 36: 26):"وأُعطيكم قلباً جديداً، أجعلُ روحاً جديدةً في داخلكم، وأنزعُ قلب الحجر من لحمكم وأُعطيكم قلب لحم".
هذا هو إلهنا، فهو ليس إلهُ جمادٍ وورقٍ بل هو إلهٌشخصانيّ يهمُّه الشَّخص أي الإنسان، الإنسان بكلّيته. نحن في كثير من الأحيان نسجُنُ الله بسبب حرفّيتنا وتصلّبنا. لا! الله لا يسكُن في بيوتٍ من حجرٍ لأنَّ له المسكونة كلّها فالسَّماء عرشهُ والأرض موطئٌ لقدميه. إن لم نكن إنجيلاً حيّاًفباطلةٌ مسيحيَّتنا، وباطلٌ إلتزامنا وحتَّى إيماننا! الإنجيل كُتب لكي نكون إنجيلاً حيّاً نابضاً! المسيحية بَهُتَتْ اليوم لأنَّ المسيحيِّين جعلوا من كتابهم"كتابًا منسيًّا"، وما عادوا يقرأونه في عشيَّاتهم وفي مخادِعِهم مع عائلاتهم أو بمفردهم. لِنَعُدْ إليه ونُـحيي الكلمة المكتوبة في أعمالِنا،أَرهباناً كُنَّا أم أساقفة، أكهنةً أم علمانيين.
يا أيُّها المسيحيُّ، في هذا العصر لا خلاصَ لك ما لم تَعُدْ إلى إيمانك وإلى إنجيلك. إبحثْ عنه فيُجيبُكَ عن مخاوفكَ، ويُزيلُ اضطرابَك. عُدْ إليه واجعلْهُ خُبزَك اليومي، كُلْهُ فتنفجِرُ منك ينابيع الحياة ويصير في فمك كالعسل تنقله شهدًا للمؤمنين. عَيْشهُ صعبٌ، لكنَّه يؤول بك إلى مناهجِ الخلاص. هو يُخبركَ عن نهوضك وسقوطك، وفيه تكتشف أهميَّة القُربَى من الله ومرارة البعد عنهُ.وإن أردت تفسيراً له عُدْ إلى الكنيسة، إلى آبائها فهم يُفسّرونه لك بالرُّوح عينه الَّذي كُتب فيه.
نحن شعبٌ كسول!. نعم!، الأرثوذكس شعبٌ كسول، لا يقرأون الكتاب المقدَّس ويَرْضُون بتفاسير أهل البِدَع على تفسير كنيستهم. هذا مُعيب!، ودينونيتِنا ستكون عظيمةٌ!
في النهاية، نحن في الأبرشيَّة نُقيمُ دورات في تفسير الكتاب المقدّس، قد لا تكون ذات مستوى عالي لأنّها ذات غاية رعائيّة، لكنَّها تقرّبه منَّا، والخبرة دلَّت على ذلك.
صيروا قدِّيسين وصيّروا بيوتكم سماءً. الكنيسة بحاجةٍ إلى أعضاءٍ حيَّة وليس إلى أعضاء جامدة،فالجماد قاتِلٌ لصاحبه وللذين حواليه. و"إله السلام" ليكن معكم وليحفظكم، آمين.