وقفة في الذاكرة... هل نتعلّم؟
تعرض "فيلا عودة"، صوفيل الاشرفية، نحو ثمانين صورة فوتوغرافية
ومطبوعة للفنان الاسباني فرنسيسكو دي غويا بعنوان
"غويا مؤرخ كل الحروب:
الكوارث وصور المعارك"،
مقدمة من السفارة الاسبانية في بيروت ومؤسسة ثرفانتس.
مؤثرة هي هذه التظاهرة الفنية التي لا تزال تخبر عن المآسي التي عرفتها اسبانيا ايام حرب الاستقلال في بدايات القرن التاسع عشر (1804-1814)
وتركت اثارها في قساوتها ووحشيتها
وتفاعلاتها على الطبقات الاجتماعية ولا سيما الفقيرة منها.
من المنتظر ان يكون لهذا الحدث الفني، على رغم مستواه العادي جدا،
ارتدادات لدى الجميع في بيروت وعلى كل المستويات.
ربما هذه الصور النافرة تثير العين وتنطبع فيها لأنها تروي بدقة
وواقعية التصرفات التي تبيح أنواع التعذيب والتقطيع والفظائع المفروضة على الاعداء،
كأن الفريقين المتقاتلين لم يوفرا وسيلة غرائزية وحيوانية الا استعملاها.
لا ننسى ان الفنان الاسباني غويا، وهو احد مشاهير القرن السابع عشر،
لم يوفر حركة أو لوناً أو تصرفاً أو تجاوزاً الا ركّز عليها وبالغ في وصفها
علها تفضح الاعمال الجرمية ضد الانسانية، لا سيما عندما تتسبب بالامراض والمجاعات
والتيه والهرب.
الصحيح في كل هذه الصور انها اكثر وحشية وقبحاً من الصور الفوتوغرافية
التي التقطها المراسلون الصحافيون على الجبهات في تغطيتهم المعارك الحربية.
اليوم، نعرف جيداً كيف تحل الاسلحة المدمرة محل السيوف والاسلحة التقليدية.
يستطيع القصف اليوم ان يدمر مدينة بكاملها ويُسقط البنايات فوق ساكنيها.
اذا كان الفنان غويا (1746-1828) رسم صور الحرب وبالغ فيها،
فإنه رسم في الآن نفسه اجمل المواضيع واجمل النساء واخترع الجداريات
التي تروي يوميات معاصريه بملابسهم ومجوهراتهم
ولقاءاتهم وبيوتهم وقصورهم بالشعور نفسه الذي احس به عندما روى اياماً من الحرب.
وكم كنا نتمنى أن نشاهد في المعرض نفسه مثل هذه الانجازات التي تبين ابداعاته
وتخفف وطأة الخيبة التي شعرنا بها امام المعروضات الصغيرة والباهتة،
المعلقة في "فيلا عودة"،
كأنها صفحات من كتاب قديم لم ينجح في المحافظة على رونقه وشكله.
وتبقى صوّر مطبوعة في ذاكرة كلّ واحد منّا نعيشها ونتفاعل معها...
فهل نأخذ منها العبر ونتعلّم لنعلّم الآخرين ما هو مفيد منها؟
لنصلّ لتكون صورة الرّب فينا هي الغالبة والمشعّة. آمين