شركة، اتّحاد
أسَّس الرّب يسوع سرّ الشكر يوم العشاء السريّ. وقال لهم: "خذوا كلوا هذا هو جسدي". ثم "اشربوا منه كلّكم هذا هو دمي...".
"اصنعوا هذا لذكري"(لوقا 19:22 - 1 كورنثوس 24:11و25)
لذلك تقدّم كنيستنا "الدّم والجسد" الكريمَين للمؤمن. أمّا الكنيسة اللاتينيّة وأغلب الطوائف الغربيّة فتقدّم للمؤمن الجسد فقط، وهذا عِرفٌ أُدخل مؤخّراً في القرن الثاني عشر على عكس التقليد الكنسيّ سابقاً.
"سرّ الشكر" أو سرّ "الشركة" تسمّى أيضاً "مناولة" لأنّنا نتناول فيها الله طعاماً ونشاركه مجده وحياته. وتسمّى "شركة" لأنّنا نشارك الله ونشارك القريب ونتّحد بهما، عندما نتقدّم إلى الكأس المقدّسة ونثبت جميعنا كأعضاءٍ في جسده الواحد. تسمّى المناولة سرّ الشكر لأنّنا نرفع لله القرابين الأرضيّة، خبزاً وخمراً، فيقدِّسها ويجعلها جسده ودمه، قرابين مقدّسة، ولهذا نشكره على تقبّله لتقدماتنا وللهدايا الثمينة التي يعيدها إلينا، الجسد والدّم، كما نشكره على كلّ عنايته الإلهيّة بنا:
"عن كلّ شيءٍ ومن جهة كلّ شيء".
بين الاستحقاق والاستعداد للمناولة
هناك خلط شائع بين الاستحقاق والاستعداد. فمن يمتنع عن التقدم من كأس المناولة المقدسة بداعي عدم الاستحقاق، يخلط بين الاستحقاق والاستعداد.
ما من بشر مستحق لأن يسكن الله فيه، ويتحده به. مَن من البشر كامل الطهارة والنقاوة، ومن دون خطيئة. ما من إنسان يستحق هذه النعمة ا لكبرى. فسكنى الله بيننا وفينا إنما بسبب رحمته الغامرة ومحبته القصوى وتنازله الذي لا يدرك بالعقل البشري. ولذلك لن يأتي وقت أكون فيه مستحقاً لهذه النعمة الكبرى، الإفخارستيا. لا، بل حينما أعتقد أنني صرت مستحقاً، أكون قد سقطت السقطة الكبرى، أي وقعت في الكبرياء أم كل الشرور.
أما الاستعداد، فهو العمل على أن أحضر نفسي لاستقبال الرب. فكما يستعد الإنسان لاستقبال شخص عظيم في بيته بتنظيف نفسه وبيته وترتيبه، وباعتماد لباس مرتّب، كذلك يستعد المؤمن لاستقبال الرب في كيانه.
أتقدم بروح الانسحاق والاقتناع بأنني خاطئ ولست مستحقاً أبداً، ولكن رحمة الله الواسعة تجعلني أتقدم متكلاً عليها. ولأن الله رحوم إلى هذه الدرجة ألزم نفسي بالاستعدادت التي وضعتها الكنيسة عموماً، ووضعها لي شخصياً أب اعترافي، ولذلك حتى لا أتراخى وأطمع برحمة الرب، وأنسى واجبي في السعي لخلاص نفسي
سر الاعتراف والمطالبسي
وضعت الكنيسة انطلاقاً من تعليم الإنجيل أموراً عدة مساعدة في الاستعداد للمناولة. فهنا سر الاعتراف، وصلاة قبل المناولة المعروفة بالمطالبسي، ومصالحة المتخاصمين معهم، وإصلاح ما ارتكبه المؤمن من أخطاء، إضافة إلى الصوم بالانقطاع عن أي طعام أو شراب من منتصف الليلة السابقة للقداس الإلهي والمشاركة في القداس الإلهي من أوله.. والالتزام بهذه التعليمات شرط لازم وضروري للتقدم من جسد الرب ودمه الكريمين.
يقول الرسول بولس في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس: " من أكل هذا الخبز، أو شرب كأس الرب، بدون استحقاق، يكون مجرماً في جسد الر ودمه". ما العمل إذاً؟ يجيب بولس الرسول: " ليمتحن الإنسان نفسه، هكذا يأكل من الخبز ويشرب من الكأس" ( 1كور11/27-29).
في بعض كنائسنا الأنطاكية في اميركا يُكتب أسبوعياً، بخط سميك، وفي أعلى الصفحة من نشرة الأحد الأسبوعية، تنبيه يفيد بعدم جواز دخول صحن الكنيسة إذا ما وصل المؤمن عند أو بعد ترتيل التريصاجيون أي " قدوس الله قدوس القوي.." ، وتالياً عدم جواز تقدمه إلى المناولة المقدسة. في بلاد يقطع المؤمنون أميالاً كثيرة للوصول إلى كنيستهم صباح الأحد، ترى دوماً أناساً تأخروا لأسباب تفوق طاقتهم، يتابعون القداس الإلهي من النارثكس ولا يحتجون بأعذار قد تكون محقة.
لماذا في الشرق لا نطيع أية تعليمات، وننشئ أنفسنا على عواطف سطحية إيمانية؟
العلاقة بين المناولة والتوبة والاعتراف
أما العلاقة بين سري المناولة والتوبة والاعتراف، فهي ليست علاقة قانونية، بل حياتية عملية. بينما يطالب البعض بعدم التقدم من المناولة إلا بعد الاعتراف ، لا يرى بعض آخر ضرورة هذا الربط بشكل قانوني.
فأن تتناول باستمرار ولا تعترف قط، أمر لا يجوز بتاتاً. وأن تتقدم من سر التوبة والاعتراف قبل كل مناولة، بشكل متواتر، فأمر غير ممكن خارج الحياة الديرية. يبقى السلوك الأفضل أن تتقدم من سري الاعتراف والمناولة وفق إرشاد أبيك الروحي.
لا تنس أن تفحص ضميرك جيداً عشية القداس الإلهي. هذا الفعل بضعك على السكة الصحيحة ويقيك رتابة الوقوع في المناولة، ويبقي شعل ةالشوق إلى المسيح مستعرة في داخلك.
تقدم من الأسرار الإلهية وأنت منسحق القلب ومقتنع بأنك لا تستحق لأنك خاطئ، واعتمد كلياً على رحمة الرب قائلاً: " يا رب لست مستحقاً أن تدخل بيتي، لكن رحمتك الواسعة تدفعني لأقترب منك". تقدم بخوف الله. ذل كالخوف الذي يوجد عند المحبين كيلا يخسروا محبوبهم. خوف الله يبقيك في شركة دائمة وحارّة معه.
تقول صلاة المطالبسي: " إذا عزمت أيها الإنسان على أن تأكل جسد السيد، تقدم بخوف كيلا تحترق لأنه نار. وإذا عزمت على أن تشرب الدم الإلهي للشركة، اصطلح أولاً مع الذين أحزنوك. ثم كل الطعام السري واثقاً".
لا تنس كلام الرسول بولس: " لأن الذي يأكل ويشرب جسد الرب ودمه بدون استحقاق يأكل ويشرب دينونة لنفسه، غير مميز جسد الرب. من أجل هذا فيكم كثيرون ضعفاء ومرضى، وكثيرون يرقدون. لأننا لو حكمنا على أنفسنا لم حُكم علينا " (1كور11/29-31).