التنجيم ظاهرة اجتماعية تنمو باضطراد و تلقى رواجا ً بين كافة الأوساط الاجتماعية بمختلف درجاتها و ثقافاتها .
هل يتعارض التنجيم مع الإيمان المسيحي أم أنه مجرد ظاهرة اجتماعية لا علاقة لها بالمسيحية و لا تناقض معها ؟
المقصود هنا بالتنجيم Astrology هو التنبؤ بحوادث معينة في حياة الإنسان بناء على حسابات خاصة مرتبطة بتاريخ ميلاد الإنسان و بارتباط هذا التاريخ بالأبراج الفلكية و سواها .
في الأرثوذكسية الإنسان ذو قيمة عظيمة في قلب اللـه ، و قد خُلق على صورته و مثاله . حياة الإنسان مرتبطة بعلاقته مع اللـه و هذه العلاقة هي التي تحدد درجة امتلاء الإنسان من روح اللـه بحسب درجة مطاوعة الإرادة البشرية للإرادة الإلهية ، بمقدار ما يكون الإنسان إلهيا ً في حياته بمقدار ما يكون بشريا ً ، لأن غاية الخلق هي الاتحاد باللـه و التأله به بمقدار ما هو ممكن للإنسان .
التنجيم يفترض أمرين . الأول : إن موقع النجوم عند ولادة إنسان يسيطر على مصير هذا الإنسان ، على شخصيته ، على ما سيحدث له ، الخ ...
الثاني : إن الإنسان خاضع لهذا المصير و لا يمكن له أن ينجو منه .
و هذا يعني أنا التنجيم يفترض أن الإنسان ليس سيد نفسه و سيد مصيره ، بل هو خاضع و مُسيَّر بطريقة عمياء لقَدَره بناءً على تاريخ ميلاده .
من هنا يمكن الاستنتاج أن التنجيم ينكر عناية اللـه بالإنسان ، و يستبدل العناية الإلهية بقَدَرٍ أعمى ، الأمر الذي يحوّل الإنسان إلى مجرد دمية في يد القدر الأعمى ، متنكرا ً لدور الروح و الإرادة البشرية الحرة و لدور العناية الإلهية في صنع المصير البشري . و بالتالي يجعل الإنسان رافضا ً عمليا ً ذبيحة الصليب الخلاصية التي تعمل على خلاص الإنسان و تقديسه و تأليهه . لهذا فالإيمان بالتنجيم يشكك الإيمان بالعناية الإلهية ، و لأنه لا توجد صلة بين النجوم و حياة الإنسان الروحية لأنو لا توجد علاقة علمية بينهما كسبب و مُسبِّب و علة و معلول . النجوم مادة و الإنسان شخص روحي : عالمان على طرفيّ نقيض .
يقول القديس يوحنا الدمشقي : " إذا كنا نعمل أعمالنا كلها بدافع من النجوم . نكون نعمل عن اضطرار . و ما كان عن اضطرار فليس هو بفضيلة أو برذيلة . و إذا لم تقتن ِ فضيلة ولا رذيلة ، فلسنا نستحق ثوابا ً و لا عقابا ً " ( الإيمان الأرثوذكسي ، 2 : 7 ) .
الكنيسة منذ بدايتها ربطت التنجيم بالوثنية و اعتبرته شكرا ً من أشكالها . ففي " وثيقة الاتني عشر " – من القرن الثاني الميلادي – يقول الكاتب :
" يا بني لا تكن منجما ً فتنقاد إلى عبادة الوثن . احترس من الرقى و من حسابات المنجمين و من الشعوذات التطهيرية . ارفض رؤيتهم و سماعهم ، لأنه من هذه الأمور تولد عبادة الوثن " .
أيضا ً القانون 35 من مجمع اللاذقية دان التنجيم .
و بين آباء الكنيسة الذين دانوا التنجيم نذكر القديسين يوحنا الذهبي الفم ، غريغوريوس اللاهوتي ، و باسيليوس الكبير .
د. عدنان طرابلسي