لماذا تعمد السيد المسيح و هو البريء من الخطأ وحده و ماهي معاني معموديته
الله له المجد تجسد فصار إنساناً كاملاً ,يسوع المسيح , الإله المتجسد هو ذروة محبة الله للإنسان و غايتها و خلاصها . ففي يسوع المسيح : غير المنظور يصير منظوراً , و غير المدرك يصير مدركاً و غير المحدود يصير محدوداً , و غير الملمس يصير ملموساً , و غير المفهوم يصير مفهوماً . لهذا بعد أن صار الله إنساناً لم يعد شيء غير ممكن أو مستحيلاً أو حتى غريباً . و كما يقول الذهبي الفم : لماذا تتعجبون اذا تعطف أيضاً ليعتمد و يأتي مع بقسة خدمه ؟ فإن الدهش يكمن في هذا الأمر الواحد :
أنه و هو الله قد صار إنساناً البقية بعد هذا تتبع منطقياً
فكيف يولد الله إنساناً و هو خالق الإنسان ؟ كيف يسكن تسعة أشهر في رحم امرأة و هو غير المحدود الذي لا تسعه سماء أو أرض ؟ كيف يولد إله الرحمة و الخير في مزود للبهائم بعد أن ضاقت به الأرض ؟ كيف تكون ولادة إله السلام و المحبة و الرحمة ذريعة لقتل أطفال أبرياء كيف يحجب اللاهوت في حفنة ترابية من الناسوت من طبيعة بشرية ؟ كيف يحفظ إله الناموس فرائض الناموس و هو خالق الناموس و وكلاء الناموس ؟ كيف يحصى الله مع العبيد و يهان و يلطم و يجلد و يبصق عليه و يضرب و يصلب و يقتل ؟ إن آمنا أن الله صار إنساناً فكل شيء آخر صار سهل القبول و منطقياً و ممكناً فلم لا يختن مع شعبه و يعتمد معهم و يتألم معهم و يصلب و يموت عنهم و يقيمهم معه
معمودية المسيح مذكورة في الأناجيل الأربعة . و لهذه المعمودية معان عديدة . هذه المعاني ظهرت خلال معمودية السيد . لكن قبل كل شيء آخر علينا أن نتذكر بأن معمودية يوحنا المعمدان كانت معمودية ماء فقط للتوبة , و ليست معمودية بالروح القدس (كالمعمودية المسيحية ) لغفران الخطايا و لحياة جديدة .
الرب يسوع تنازل (كبقية سلسلة تنازله الإلهية منذ تجسده ) و تعطف و اعتمد من يوحنا المعمدان ليكون واحداً مع شعبه و ليؤسس سر المعمودية المسيحية التي فيها ينزل الروح القدس على المعتمد على غرار نزول الروح القدس على رأس المسيح في معموديته . اذاً لم يعتمد المسيح من المعمدان لأن المسيح كان بحاجة إلى هذه المعمودية أو لأنه بحاجة إلى التوبة و هو الذي لم يصنع خطية و لم يكن في فمه مكراً لننظر الآن إلى عناصر معينة برزت أثناء معمودية السيد له المجد .
يوحنا المعمدان رفض تعميد يسوع قائلاً:"أنا محتاج أن أعتمد منك و أنت تأتي إلي ؟فأجاب يسوع و قال له :
اسمح الآن ,لأنه هكذا يليق بنا أن نتمم كل بر "اذاً لم يعتمد الرب يسوع من المعمدان لأنه بحاجة إلى هذه المعمودية , بل لكي يكمل كل بر أتى به الناموس قبل الآلام و الصلب و القيامة . أراد الرب أن يكون مثالاً لنا في كل شيء , فجاء و أكمل الناموس فأبطله و ألغاه و أسس بدلاً منه شريعة المحبة و الحق و النعمة المجبولة بدمه "لأن الناموس بموسى أعطي أما أما النعمة و الحق فبيسوع صارا" (يو17:1) . الرب يسوع أراد أن يتمم الناموس لفترة معينة (قبل الصلب و القيامة) ليلغيه إلى الأبد . لهذا كان جوابه للمعمدان :
اسمح الآن . لأنه لن يسمح أبداً بعد القيامة أن تكون لناموس موسى أي قيمة في خلاص الإنسان هذه ما أكده مجمع الرسل المنعقد في أورشليم
ــ يوحنا المعمدان أشار إلى يسوع قبل أن يعمده قائلاً : أنا أعمدكم بماء التوبة و لكن الذي يأتي بعدي هو أقوى مني ........هو سيعمدكم بالروح القدس و نار (متى11:3) اذاً بمقدار ما كان الفرق بين يوحنا المعمدان و الرب يسوع ,هكذا الفرق بين بين معمودية يوحنا (بماء التوبة) و المعمودية المسيحية التي أسسها الرب (بالروح القدس و نار لغفران الخطايا و حياة أبدية)
ــ عندما صعد يسوع من الماء بعد معموديته ,انشقت السماوات ونزل روح الله مثل حمامة و استقر عليه . معمودية الرب تكشف لنا شيئاً عن سر الثالوث القدوس لم المجد. فالآب سر بالابن , و الروح القدس صادر من الآب و مستقر في الابن . الكنيسة المسيحية فهمت دائماً أن معمودية المسيح هي عيد الظهور الثالوث القدوس له المجد. هذا الظهور الثالوثي يحدث و إن يكن بطريقة غير منظورة في كل معمودية مسيحية تتم باسم الثالوث القدوس له المجد . و كما يقول الذهبي الفم : نزل الروح القدس على السيد أثناء معموديته ليعلمكم أنه ينزل على المعتمد باسم الثالوث القدوس و الذهبي الفم يعلق على نزول الروح القدس على المسيح بأن الروح القدس نزل ليشهد على صحة قول المعمدان : هذا هو حمل الله .... و ليدل على أن المسيح وحده يمكنه أن يغفر خطايا العالم كله . يقول الذهبي الفم :
" و البرهان هو أنه ابن الله , و أنه لم يحتاج إلى المعمودية , و أن غاية نزول الروح القدس كانت فقط للتعريف بالمسيح ". و بالحقيقة , المسيح لم يحتاج إلى المعمودية ... بل المعمودية( احتاجت إلى قوة المسيح شرح يوحنا موعظة 2:17)
ــ معمودية المسيح تشير أيضاً إلى آلام المسيح . فالآب يقول :"هذا هو ابني الذي به سررت "(متى 17:3) المزمور الثاني يقول "... قام ملوك الأرض و تآمر الرؤساء معاً على الرب و على مسيحه , إني أخبر من جهة قضاء الرب , قال لي :أنت ابني أنا اليوم ولدتك . هذا المزمور مع أشعيا"هوذا عبدي الذي أعضده "(اشع 1:42) .
يشيران إلى أن يسوع هو ابن يهوه و عبده المتألم معاً ففي معمودية يسوع نرى أن يسوع هو نفسه ابن الله الحبيب الذي يستقر فيه الروح القدس و هو أيضاً عبد يهوه المتألم و المضطهد . هذه العلاقة بين البنوة و التألم هي علاقة صميمية , فابن الله هو نفسه عبده المتألم لخلاص العالم , و هو نفسه حمل الله الذي رفع خطية العالم كما قال المعمدان عن يسوع (يو29:1). اذاً لا يمكن الفصل بين المعمودية المسيحية و الظهور الثالوثي فيها و آلام المسيح و صلبه و موته و قيامته . هذه المعاني لخصها الرسول بولس قائلاً :
"أم تجهلون أننا كل من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته , فدفنا معه بالمعمودية بالموت , حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضاً في جدة الحياة " (رو3:6-4) كتاب سألتني فأجبتك