كنيسة الصليب
دمشق/ باب توما
«كانت المناطق خارج سور "دمشق" القديم مناطق زراعية تحيط بالمدينة، ومع التزايد السكاني داخل المدينة اضطر المماليك للتوسع العمراني خارج السور فضموا عدة مناطق لدمشق، كما قام الأتراك العثمانيون بالتوسع الثاني للمدينة، وفي أواخر القرن التاسع عشر ضاق القسم المسيحي للمدينة بسكانه، فكان لهم التوجه إلى منطقة "باب توما" وبدء الإنتشار العمراني فيها،
خاصةً أنها كانت تعتبر منطقةً شبه تجاريةٍ، ومما ساعد في ذلك هو وصول بعثتين إلى "سورية" الأولى في أوائل عام 1902م والتي قامت ببناء المشفى "البريطاني" المسمى حالياً "مشفى الزهراوي"، والثانية في أواخر العام نفسه وهي فرنسيةٌ طبيةٌ قامت ببناء المشفى "الفرنسي"»، هذا ما ورد عن المؤرخ "قتيبة الشهابي".
وفي حديثٍ عن تلك المرحلة في تاريخ 25/02/2009م قال المؤرخ وعضو إدارة ميتم كنيسة الصليب المقدس "د.جوزيف زيتون" قائلاً: «كان المسيحيون في "دمشق" رجالَ حرفةٍ ولم يكونوا تجاراً لذلك كانوا فقراء ولكن بيوتهم كانت جزءاً من الجنة أو تحفةً فنيةً، ولكن عندما ضاقت البيوت بالأحفاد حاولوا الخروج والإستقلال، فلم يكن أمامهم سوى أحد خيارين فإما التوجه نحو منطقة "باب شرقي" وهي منطقة مقابر والطبيعة الإنسانية تأبى السكن قرب المقابر، أو أن يتوجهوا نحو منطقة "باب توما" وكان هذا، وبما أن
قاعة الصليب المقدس الثقافية
معظمهم من الفقراء فقد انتشرت في المنطقة المساكن الشعبية على شاكلة المنازل الأساسية التي سكن بها آباؤهم وأجدادهم ولكنها أصغر حجماً.
ولكن بعض الأغنياء بنوا بعض القصور في المنطقة مثل "فيلا اليس"، كما قام السكان بإنشاء بعض النوادي الرياضية "كنادي الغساني ونادي الهومنمن"، وبذلك أصبحت المنطقة مسماةً "بالمدينة المزيفة"، ومع تزايد العدد السكاني في المنطقة أصبح من الضروري بالنسبة للمؤمنين بناء كنيسةٍ تجمعهم، بالرغم من أن بعضهم جعل منزله كنيسةً بديلةً مصغرةً، وقد بنيت هذه الكنيسة من تبرعات المواطنين».
وفي حديثٍ عن سبب تسمية الكنيسة قال "د.زيتون": «في القرن الخامس الميلادي وقبل الفتوحات الإسلامية كان في هذه المنطقة ديرٌ رهبانيٌ إسمه "دير الصليب المقدس" واندثر هذا الدير مع مرور الزمن وأصبحت مكانه أرضٌ زراعيةٌ اتخذت اسم الدير، ومع توزيع الملكيات أصبحت هذه الأرض ملكيةً لبعض المسلمين، ثم أقام موقع الكنيسة على خارطة "دمشق"
مسيحيوا المنطقة جمعيةً أسموها "جمعية الميتم" وهي جمعيةٌ دينية إضافةً إلى "جمعية القديس يوحنا الدمشقي" وهي جمعيةٌ علميةٌ، كلٌ من الجمعيتين قامت بجمع التبرعات وشراء أرض الصليب وتم ذلك بمباركةٍ من "البطركية العليا" أو ما يسمى "بالمجلس الملّي"، وتزامن ذلك مع وضع حجر أساس الميتم في عام 1928م، وتم وضع أساسيات البناء في عام 1932م وتأخر إتمامه حتى عام 1936م بسبب قلة التمويل الذي تم دعمه بواسطة المغترب خارج القطر "سابا صعبية"، ولأجل المصادفة فقد كان أول من جنز في الكنيسة هو السيد "سابا"، فزودت الكنيسة بأيقوناتٍ من تبرعات المؤمنين إضافةً لأيقوناتٍ من المدرسة الكلاسيكية وهذه الأيقونات تحمل سماتٍ رومية (كلاسيكية) وروسية ومحلية».
وعن تحديث البناء والتطورات التي حدثت عليه وعلى أقسام الكنيسة يضيف "د.زيتون" قائلاً: «في الستينيات بني للكنيسة برجان يسارها وهو "البرج الجرسي" ويمينها وهو "برج الساعة"، كما كنيسة الصليب
بني في عهد البطركية الحالية قاعةٌ في منطقة أساس البناء في القبو وهي "قاعة الصليب المقدس" يقام فيها ندواتٌ حواريةٌ ثقافيةٌ ووطنية، والكنيسة عبارةٌ عن ثلاثة أقسامٍ هي (أيقونسطاس "ساتر الهيكل" وحامل الأيقونات ويكون في صدر الكنيسة إضافةً إلى قاعة الصلاة يفصل بينها تيجانٌ تحملها أعمدةٌ ضخمةٌ».
ويضيف "د.زيتون" عن دور الكنيسة وأهميتها بقوله: «تخدم الكنيسة خمس "رعايا" برقعةٍ تتجه من "باب توما" جنوباً إلى "ساحة العباسيين" شمالاً، ومن منطقة "شارع بغداد" غرباً إلى منطقة "سوق الهال الجديد" شرقاً، و"الرعية" هي عبارةٌ عن تجمعٍ سكانيٍ يرعاهم كاهنٌ يتبع للكنيسة. تعتبر الكنيسة أنها المرجعية القاعدية الثانية بعد الكاثدرائية المريمية وهي من أكبر الكنائس في سورية، وبعد أن كانت شبه مختبئة أصبحت ظاهرة بعد شق الطريق القادم من "ساحة العباسيين باتجاه الزبلطاني" وشق طريق "القصاع"»