د- تأله الجسد:
بشركة الروح القدس يتأله الإنسان بكليّته ( 1 تس 5: 23) أي بالروح وبالقوى (بالأفعال) وكذلك بالجسد.
من أهم نتائج التأله هو تقديس الجسد وتأّلهه. الجسد ليس سجنًا للنفس كما يعّلم افلاطون وليس له هدف ارضي فقط “أما الجسد فليس للزنى بل هو للرب والرب للجسد” ( 1 كور 6: 13). فكما قلنا سابقًا، الجسد يجب أن يكون جسدًا له وهيكل لله مقدس. اذا فالجسد يجب أن يتقدس بالكلية بالتأله، وبالتأله فقط يصل الجسد إلى كامل قيمته وليس في النظريات الانسانية الحديثة.
يقول القديس سمعان اللاهوتي الحديث عن تأله الجسد: “ان النفس التي أصبحت بتقديسها أهلاً لأن تكون شريكة في النعمة الالهية، تستمر بالضرورة بتقديس كامل هيكلها. لأنها حيث تكمن في هذا الهيكل و توجد في كاّفة أعضائه. لذلك فنعمة الروح القدس، عندما تسكن في النفس، تسكن أيضًا في هيكلها. ولكن طالما بقيت النفس في هذا الهيكل فان الروح القدس لا ينقل هيكلها بالكامل إلى مجده لأنَّهُ من الضروري أن تكون لها حريتها وأن تبدي رغباتها وتظهر ارادتها إلى أن تنتهي حياتها الأرضية. وعندما تنفصل النفس عن الجسد يتوقف الجهاد. فان انتصرت النفس وانفصلت عن الجسد حاملة اكليل عدم الفساد. حينئذ تسكن نعمة الروح القدس وتقدّس بالكلية هيكل هذه النفس. ولذلك نجد عظام القديسين وبقاياهم تفيض أشفية تداوي كل ضعف.
إن انفصال النفس عن الجسد يحرّر الاثنين معًا من حاجة كل منهما إلى الآخر ومن تأثير أحدهما على الاخر. وبذلك فإن النعمة الالهية تفضل في كليهما دون أي عائق حيث يصبح الاثنان بكليتهما لله تسكن فيهما النعمة الالهية بعد أن قضيا حياة لائقة بالالوهة عندما كانا معًا. أمّا عند الدينونة العامة فان الجسد أيضًا يكتسب عدم الفساد الذي منحه الله للنفس عند تقديسها.
القديس اثناسيوس يقول في ذلك أيضًا: “ان النعمة الالهية توجد في نفوس وأعضاء القديسين” (شرح المزمور 117). كذلك القديس مكاريوس يقول: “كما تمجد جسد المسيح عند التجلي على الجبل بالمجد الإلهي وبالنور الذي لا يغرب، كذلك تتمجد أجساد القديسين وتلمع. وكما أن المجد الكائن في جسد المسيح أشرق مضيئًا، كذلك أيضًا تفيض قدرة المسيح في ذلك اليوم وتشع خارج أجسادهم ” (الكلمة 15،38 ). وكلما كانت المساهمة في شركة الروح القدس أغنى كلما ازدادت قداسة الأجساد أيضًا. القديس يوحنا الذهبي الفم يقول: “بالموت لا تتغرب أجساد القديسين عن النعمة التي كانوا يحيون بها، بل تزداد بها” (في مديح أحد الشهداء).