بسم الاب والابن والروح القدس
فى يوم الأربعاء الموافق 10 سبتمبر 1923م الموافق 5 نسيء 1639ش فى قرية أولاد يحيى بحرى "الشيخ جامع" مركز دار السلام محافظة سوهاج. ولد الطفل "حلمى أيوب ميخائيل" من أبوين تقيين اسم أمه "رنة شنودة" ودرس بالمدرسة الابتدائية فى القرية، ثم اشتغل بالزراعة ورعاية الأغنام.
ترك القرية وذهب إلى أحد أقربائه يدعى المقدس "توفيق أبسخيرون" وعرض عليه رغبته فى دخول الدير فرفض، بعد ذلك ذهب هو وإثنان من أقربائه "كامل عطية الله، لبيب مشرقى" نحو الجبل الكائن شرق قرية الكشح حيث كان هناك راهباً قديساً مقيماً بمغارة وقالوا له نحن نريد الرهبنة فأجابهم "لبيب وكامل" يرجعوا ويتزوجوا أما حلمى فليذهب إلى الدير.
فذهب إلى دير السيدة العذراء "البراموس" طالباً للرهبنة وتم ذلك فى يوم الجمعة الموافق 7 يونيه 1946م، 30 بشنس 1662ش وترهب يوم الخميس الموافق 21 نوفمبر 1946م، 12 هاتور 1664ش باسم الراهب آدم. نال درجه الشموسية على يد المتنيح "الأنبا توماس" مطران طنطا فى ذلك الوقت يوم الأربعاء الموافق 26 مارس 1947م 17 برمهات 1665ش.
ثم ذهب إلى كلية اللاهوت بحلوان أول أكتوبر 1948م ثم سيم قساً على يد المتنيح "الأنبا مكاريوس" أسقف الدير فى يوم أحد الشعانين الموافق 2 أبريل 1950م، 4 برمودة 1668 ش باسم القس "بولس البراموسى" تخرج من كليه اللاهوت فى مايو 1953م، وعين كاهناً لكنيسة "الشهيد مار جرجس" ببور فؤاد أول أكتوبر 1953م، ثم نال درجة القمصية يوم الأحد 25 مارس 1956م، 16 برمهات 1674ش ثم شاءت عناية الله أن يسام أسقفاً على إيبارشية قنا وقوص وقفط ونقادة ودشنا والبحر الأحمر وتوابعها يوم الأحد 19 سبتمبر 1965م. وظل يخدم إيبارشيتة فى أمانة وحب ووداعة وعطاء بلا حدود أكثر من ربع قرن حتى تنيح بسلام يوم الأحد الموافق 3 فبراير 1991م، 26 طوبة 1707ش أثناء قيامه بصلاة القداس الإلهى
ذهب إلى دير السيدة العذراء "البراموس" العامر فى سن صغير حوالى 23 سنه. تتلمذ على أيادى كبار الآباء والشيوخ فى البرية فى ذلك الوقت ومنهم أبونا بولس البراموسى الكبير، أبونا فلتس البراموسى الكبير وخدمهم ونال بركتهم. كان محبوباً جداً لديهم، وكان مطيعاً لهم محباً للخدمة بنفسٍ راضيةٍ منسحقةٍ، وأتى عليه وقت كان يقوم فيه بأغلب خدمة الدير الصعبة. كانت تسليته وتعزيته فى خدمة الآباء الشيوخ. يغسل لهم ملابسهم وينظف لهم قلاليهم ويملأ لهم الماء. يحكى أحد الآباء المعاصرين. وقد كان زميلاً له فى الرهبنة أن سيدنا المتنيح كان منظماً فى حياته الروحية وفى ملبسه وحياته الخاصة وقلايته كانت نظيفة جداً، مداوماً على المزامير والميطانيات والصوم حتى المساء يومياً وكان يفطر على الخبز والكمون لمدة 12 سنة. كان لا يختلط بأحد، من عمله لقلايته ومن القلاية للكنيسة، هادئ الطباع محبوباً من الجميع. كان مثال الراهب الصامت الذى لا يتكلم إلا إذا دعى المجال إلى ذلك وكان إذا تكلم لا ينطق إلا بما يستوجبه الموضوع فقط، أما اسلوبه فى الحديث فكان بسيطاً جداً ومع هذه البساطة المتناهية تجد كلامه يمس القلب، ويحس المستمع إليه أن كلامه خارج من القلب وأنه يعيش فعلاً ما يقوله، وقديماً قيل "إن الكلمة إذا خرجت من اللسان لا تتجاوز الآذان أما إذا خرجت من القلب فإنها تدخل إلى القلب".
وقد ذكر نيافته أنه فى بداية رهبنته رأى رؤيا يمسك فيها بالصليب والحية النحاسية ويصلى التحليل فلما ذكرها لأب اعترافه قال له: "يعنى ياخوى هتترسم أسقف"، وكانت هذه بشارة من السماء له.
بعد تخرجه من كلية اللاهوت بحلوان سيم قساً ببور فؤاد، وكان محبوباً جداً من جميع الشعب، وذكر نيافته أنه فى تلك الفترة قرأ كمية هائلة من الكتب الكنسية المقدسة، ثم استدعاه بعد ذلك قداسة القديس البابا كيرلس السادس ليكون سكرتيراً خاصاً له، فكان محبوباً جداً لديه، وكان يدعوه أبونا بولس البسيط، ويقول له تعال: "يا مبروك".
كان الله يشعره باحتياجات أولاده المادية الروحية: حدثت هذه القصة حين كان القمص بولس البراموسى أب اعتراف الدير.. كانت أحوال الدير المادية غير متيسرة فلم يوجد بالدير مال لشراء الخضار، فدخلت الأم رئيسة الدير قلايتها لتصلى وتعرض الأمر على الله ليدبره، وبعد قليل علمت بحضور أبونا بولس على غير عادته فى ذلك اليوم وعندما قابلته بادرها بقوله: "هل الدير محتاج إلى شيء".
وعندما استفسرت عن سبب هذا السؤال أخبرها بأن الشهيد "أبى سيفين" أعلمه بأن الدير محتاج إلى النقود واستطرد فى الحديث قائلاً: "أننى بعد الانتهاء من صلاة القداس الإلهى ذَهبتُ لأستريح قليلاً قبل أن أتوجه إلى البطريركية )إذ كان حينئذ سكرتيراً خاصاً لقداسة البابا كيرلس السادس( وعندما بدأت أغمض عينىَ سمعت صوتاً يقول لى قم خذ فلوس وأذهب إلى دير أبى سيفين، فنهضت ورشمت علامة الصليب قائلاً: "هل الشيطان يحاربنى" ثم أغمضت عينىَّ مرة أخرى، فسمعت ذات الصوت ثانية. فقمت وصليت الصلاة الربانية ورشمت الصليب وحاولت أن أنام، فسمعت صوت يقول لى: "أنا الشهيد أبى سيفين أقول لك قم الآن وخذ الفلوس واذهب إلى ديرى بمصر القديمة". فتأكدت أن هذا الصوت من الله فقمت وأخذت المال الموجود لدَىّ بالدولاب وأتيت به. فأخبرته الأم رئيسة الدير بالأمر كله ومَجَدّنا الله وشهيده البطل أبى سيفين.
وحدث أيضا فى أحد الأيام أن تقابل أبونا بولس البراموسى مع أبونا عطا الله المحرقى المهتم بطباعة كتاب خدمة الشماس وفى أثناء حديثهما أبدىَ أبونا عطا الله إعجابه الشديد بالفراجية التى كان يرتديها أبونا بولس، ففى الحال خلعها وقدمها له وعندما سأله أبونا عطا الله عن ثمن تكلفتها أجابه: "أنه لا يريد مقابلها نقود، وإنما طلب منه أن يقدر هو ثمنها ويرسل بمقابله عدداً من كتب خدمة الشماس إلى دير أبى سيفين للراهبات" وكان فعلاً لا يوجد بالدير سوى نسخة واحدة من الكتاب تدرس فيه الراهبات جميعاً الألحان الكنسية، فجاء عدد الكتب يزيد عن عدد الراهبات بالدير بعشرة نسخ.
نال نعمة الأسقفية على يد قداسة البابا المعظم القديس الأنبا كيرلس السادس فى يوم 19 سبتمبر 1965م باسم الأنبا مكاريوس أسقفاً على إيبارشية قنا وقوص ونقادة وقفط ودشنا والبحر الأحمر وتوابعها.
بعد نياحة الأنبا كيرلس مطران كرسى قنا، قام قداسة البابا بإجراء قرعة هيكلية بإسم الراهب القمص إقلاديوس الأنطونى والقمص أنطونيوس البراموسى حتى تظهر مشيئة الله ووضع أيضا ورقه بيضاء وبعد صلاة القداس أمام جميع الشعب وبحضور جمع من أبناء قنا قام البابا باستدعاء أحد الشمامسة لسحب ورقة من الثلاثة. كانت هى الورقة البيضاء وذلك إعلاناً لاختيار الروح القدس لراهب آخر وفعلاً وقع اختيار قداسته على الراهب القمص بولس البراموسى، وفى يوم السبت الموافق 18 سبتمبر 1965م فى رفع بخور عشيه تمت صلوات وطقس السيامة باسم الأنبا مكاريوس أسقف قنا وقوص ونقادة وقفط ودشنا والبحر الأحمر.
ومنذ سيامته وحتى نياحته لم يقصر يوماً من الأيام فى خدمة هذه الإيبارشية المتسعة الأطراف والتى انقسمت بعد نياحته إلى أربعة إيبارشيات، كان يفتقدها على مدار السنة بيتاً بيتاً وحتى أواخر أيامه وشدة مرضه، كان يقول أنه يتمنى أن يتنيح أثناء الخدمة والافتقاد أو فى القداس، والرب أعطاه سؤل قلبه، وتنيح فى خدمته التى أحبها من كل قلبه فى أقدس يوم وأقدس مكان وفى أقدس لحظة وآخر طلبة طلبها فى القداس "أعطنا يا رب وكل شعبك" فأعطاه الرب الحياة الأبدية.
أما عن العطاء فى حياته فكان يقول عن نفسه تعبير: "أنا عندى دكتوراه فى البخل" وكان يدَّعى أنه لا يعطى أحداً، لكن القريبين كانوا يعلمون أن له عطاء بصورة غير عادية. وعندما كان يزور الأسر فى زياراته السنوية كان يقول للكاهن الذى يفتقد معه: "أعطينى فكرة عن الأسر المحتاجة، وبعدما أخرج من عندهم أعطى أنت لهم". أى إنسان كان يعطى له بركة كان يأخذها منه، حتى من الأسر الفقيرة حتى لا يحرج أحداً ولكن بعد ذلك يترك لهم مع الآباء مبلغاً من المال بحسب احتياجاتهم أو يضعه تحت الوسادة دون أن يشعر به أحد. وهناك قصة عن عائله محتاجة، ولكنها بخيله كان سيدنا فى زيارتهم، أما رب هذه العائلة فلم يرد أن يقابل سيدنا أو أن يعطيه بركة فىمنزله، ودار حوار بين الرجل وامرأته، فذهبت المرأة لجارتها لتأخذ منها بركة لتعطيها لسيدنا، ودخل سيدنا المنزل ولكنه رفض أن يأخذ من المرأة بشدة على غير عادته وقال لها: "رجعى الفلوس دى للناس اللى أخذتيها منهم" وهكذا اكتشف بروحه الشفافة أنها استدانت هذا المال لأجله.
من الأمور التى لاشك فيها أن أبينا الأسقف الأنبا مكاريوس كان على درجة روحانية عالية أهلته لأن يكون صديقاً للآباء السواح بل كان منهم.
وذكر نيافة الأنبا مكاريوس أن هناك سياحة كاملة يختفى فيها هؤلاء القديسون عن العالم ولهم أماكنهم وأديرتهم ولا يراهم أحد ولا يتكلمون مع أحد إلا نادراً ولهم خدمتهم وهى الصلاة والتسبيح وفى بعض الأحيان يذهبون لأشخاص حينما يكونون فى شدة أو ضيق أو تجارب معينة لمعونتهم ومساعدتهم وعزائهم فى شدائدهم ويحضرون الصلوات مع أولاد الله سواء فى مخادعهم الخاصة أو الكنائس أو الأديرة.
وذكر أيضاً أنهم ذات مرة ذهبوا إلى كنيسة معينة ووجدوا القرابنى موجوداً فطلبوا منه الخروج، وهنا يتكلم كمن عاش الموقف بنفسه. كما ذكر نيافة الأنبا مكاريوس لبعض خواصه أن السواح حينما يأتون إلى المطرانية تنفتح الأبواب تلقائياً ثم تغلق وحينما يرحلون يفردون أياديهم على مثال الصليب ويقولون "قدوس، قدوس، قدوس" ويطيرون فى الهواء، ويكون منظرهم كالطائر الكبير الذى يفرد جناحيه وهو مضيء ولكنه لا يحرك ذراعيه. أو تحملهم قوة إلهية على هيئة مركبة نارية أو تجذبهم قوة الروح القدس الساكن فى قلوبهم فيصيرون محمولين بقوة الروح القدس إلى الأماكن التى يقودهم لها الروح القدس.
وهناك قصة يتناولها شعب الرحمانية، أنه ذات مرة كان سيدنا الأنبا مكاريوس فى زيارة لقرية "فاو بحرى" وكان يرافقه المتنيح أبونا عازر توما "تنيح فى6/1/1973" وكان من السواح. وفى زيارة أحد المنازل سأله الأنبا مكاريوس "ماتعرفش يا أبونا عازر كام عمود فى كنيسة العذراء الأثرية بأتريب؟" فقال له: "كتب التاريخ بتقول 44 عامود يا سيدنا" فسأله سيدنا: "كتب التاريخ ولا أنت صليت معانا برضه وأنا كنت شايفك وراء العمود". وهنا صمت وبدأ بغير مجرى الحديث.
حينما كان يصلى القداس كان دائما يعلمنا أن المذبح له هيبته وقدسيته ولابد أن يحترم الكاهن المذبح ويتحرك فيه بهدوء ووقار وأن يحترم الذبيحة ويهابها ولا يستهتر بها بل ليعلم جيدا أنه يتعامل مع رب المجد ذاته ومع أرواح الملائكة والقديسين المحيطين بالذبيحة والمذبح، وكان يقول لنا دائما: "أن القداس بالنسبة لى هو عزائى الوحيد وفرحتى الشديدة ولا يعلم أحد بالفرح الذى أشعر به أثناء وقفتى أمام المذبح" وكان يقول أيضاً: "إن كانت هذه الفرحة التى نشعر بها هنا على الأرض بهذا الشكل، فكم تكون فرحتنا بربنا يسوع المسيح فى السماء" وكان دائماً يطلب أثناء وقوفه أمام المذبح هذه الطلبات "يا رب حل بسلامك فى الإيبارشية، دبر حياتى، اغفر خطاياى بدمك الطاهر، اذكرنى يا رب متى جئت فى ملكوتك، قَوّى إيمانى بك، زد محبتى لك، عمق شركتى معك بالروح، واحمينى من الذات" ثم يذكر كل الذين طلبوا الصلاة من أجلهم ويطلب الرحمة لنفوس كثيرين ممن انتقلوا للسماء، وكان يقول لنا أن أروح القديسين حين نذكرهم فى الترحيم يحضرون القداس بسماح من الله.
كان القداس الإلهى هو مصدر فرح وشبع روحى وجسدى له ولكل الشعب فكان يطلب من الله دائماً ألا يحرمه من المذبح إلى آخر نسمة فى حياته. وقد أعطاه الرب سؤل قلبه وعندما اشتد به المرض لم يثنه ذلك عن حبه الشديد وملازمته للمذبح، بل كان فى السنوات الأخيرة من حياته أكثر اشتعالاً وأكثر بذلاً رغم ضعف جسده. وقبل رحيله من عالم الأتعاب إلى عالم المجد كان يصلى قداسات صوم يونان حتى ساعة متأخرة تصل إلى السابعة مساءاً، الأمر الذى يتعذر حدوثه تماماً مع مريض القلب، ولكنه لشدة حبه وتمسكه بخدمة المذبح والصلاة كان الله يمنحه القوة ليتمم بها خدمة القداس.
ومنذ سيامته أسقفاً وحتى قبل مرضه الشديد كان يقوم بأغلب الخدمة فى القداس الإلهى من بداية رفع البخور وحتى نهاية القداس ولم يكن يترك للكاهن المصلى معه سوى الأواشي والمجمع.
كان شديد الاحترام للمذبح ويقول: "أن الذى يحترم المذبح ويقدسه يرى أموراً روحية عجيبة ويكشف له الرب عن الأسرار المخفية" وكان يتعامل مع المذبح بخشوع ووقار غير عادى، يذكرنا بالملائكة والشاروبيم والساروفيم الذين يقفون أمام الله بخشوع ووقار بجناحين يغطون وجوههم وباثنين يغطون أرجلهم ويطيرون باثنين وهم يصرخون ويقولون "قدوس قدوس قدوس رب الصاباؤوت السماء والأرض مملوءتان من مجدك وكرامتك".
حقاً كان يقف أمام الله وفى محضر الله، ويقول القديس يوحنا الدرجى: "اغتصاب الماء من فم العطشان صعب وأصعب منه منع النفس الممتلئة خشوعاً من وقوفها فى الصلاة لأن الصلاة محبوبة جداً لديها ومفضلة عن كل عمل آخر". ولذلك لم تكن هناك أى قوة تستطيع أن تمنعه من الصلاة، ولم يكن يسمع لكلام أى من الأطباء أو الآباء اللذين يمنعونه من الصلاة وكان يقول لنا: "عندما أقف على المذبح لا أريد أن أتركه أبداً، وربنا ما يحرمنيش من الصلاة حتى ولو تنيحت على المذبح وأنا بأصلى"، وكان يقول لنا أن سر عظمة البابا كيرلس والقديسين جميعاً هو فى المزامير والتسبحة والقداسات.
وفى كل قداس تقريباً من السنوات الست الأخيرة كان يصليه نيافة الأنبا مكاريوس كان يحضر معه البابا كيرلس السادس.
وذكر الأنبا مكاريوس أنه فى بداية سيامته أسقفاً أثناء قيامه بصلاة القداس الإلهى أنه كان يرى الدم نازفاً من جراحات السيد المسيح فى صورة الصلبوت الموجودة بالشرقية وفى السنة الأخيرة فى أسبوع الآلام صرح المتنيح الأنبا مكاريوس أنه كان فى كل عام ينظر الدم نازفاً من الجراحات أثناء عمل الأربعمائة ميطانية وحدثت هذه الواقعة أنه فى هذه السنة أخرج منديلاً من جيبه ومسح به صورة الصلبوت بعد الأربعمائة ميطانية ومسح به وجهه وعينيه وقَبَلَهُ وقال للكاهن الواقف بجواره: "خذ بركه يا أبونا" واستطرد قائلاً: "لأنكم منعتمونى فى هذا العام من الصوم الإنقطاعى فى أسبوع الآلام لم أتمكن من رؤية الدم النازف من الجراحات لأنى كنت أرى الدم نازفاً من الجراحات كل عام من أيقونة الصلبوت بعد الأربعمائة ميطانية" وإنما قال هذا ليخفى فضائله.
وكانت كل شهوته أن يتنيح أثناء القداس الإلهى، فحقق الله له هذه الرغبة فبينما كان هو واقفاً ليصلى القداس يوم الأحد 3 فبراير 1991م فاضت روحة الطاهرة إلى كورة الأبكار.
بناء كنيسة السيدة العذراء والدة الإله بقنا، له قصة عجيبة، فنيافة الأنبا مكاريوس كان دائماً يطلب من السيدة العذراء بناء كنيسة لها ليصلى بها قبل أن ينتقل من هذا العالم وأعطاه الرب سؤل قلبه وتم بناء هذه الكنيسة فى حوالى خمسة عشر عاماً، وبعد أن أتم بناءها صارت من أجمل الكنائس على مستوى الإيبارشية.
مرضَ مرض الموت وأصيب بجلطة فى القلب وتليف بعضلة القلب وبجلطة فى الرئتين وساءت حالته الصحية جداً حتى وصل إلى النهاية، وفى أحد الأيام ذكر لنا أنه وجد نفسه واقفاً فوق السرير وجسده ممدداً على السرير وحوله مجموعة من الملائكة أتت لاستلام روحه ولكن جاءت بجوارهم السيدة العذراء وأشارت لهم أن ينتظروا ورفعت يداها إلى السماء وطلبت من الرب يسوع وقالت له: "يا ابنى وإلهى لك المجد والكرامة والعظمة إن أردت ابنك الأنبا مكاريوس هو الذى بنى الكنيسة على اسمى وأريده أن يدشنها لى" فذكر المتنيح انه سمع صوتاً بعيداً يقول: "أردت" وللحال أمرت أم النور الملاك أن يعيد الروح للجسد، وذكر الأنبا مكاريوس أن دخول الروح للجسد أصعب من خروجها ويشعر الإنسان بضيق أثناء دخول الروح للجسد وفى الحال تحسنت حالته الصحية بصورة مذهلة جداً وتم تدشين الكنيسة.
وفى أثناء التدشين ورشم كرسى الأسقف الذى كان عليه صورة لرب المجد محفورة فى الخشب، صعد سيدنا إلى الكرسى ليدشنه بالميرون فشعر برهبة شديدة عند اقترابه من الصورة ورأى رب المجد تجسم من الصورة ونوراً بهياً جداً حواليه فلم يقدر أن يقترب من الكرسى أكثر من ذلك وبالكاد استطاع أن يرشم أطراف الكرسى بالميرون، وذكر نيافته أن عدداً كبيراً من القديسين بارك تدشين الكنيسة منهم العذراء القديسة مريم ومار جرجس وأبى سيفين ومار مينا والبابا كيرلس السادس وبعض من السواح، وذكر بعض ممن شاهدوا شرائط الفيديو الخاصة بتدشين الكنيسة حضور أرواح القديسين أمام المذبح وفى المذابح الجانبية.
وفى أثناء التدشين وصلاة القداس كنا نرى قوة عجيبة تسند الأنبا مكاريوس الذى ظل يصلى من السادسة صباحاً إلى الخامسة مساءاً دون تعب أو كلل بالرغم من ظروفه الصحية.
كانت فضيلة الاستعداد بارزة جداً فى حياة الأنبا مكاريوس فقبل أن يتنيح بثلاث سنوات كلف أحد الآباء بأن يقوم بتجديد وإعداد المقبرة الخاصة بالآباء الأساقفة والموجودة تحت الهيكل البحرى بالكنيسة المرقسية والموجود بها جسدى الأنبا لوكاس والأنبا كيرلس مطارنة قنا السابقين، وطلب شراء صندوق، وتم شراء الصندوق قبل نياحته بسنة، وقبل نياحته بحوالى ستة أشهر طلب استخراج ترخيص وفاه باسم الأنبا مكاريوس، باستعمال المقبرة الحالية لئلا يعترض المسئولون على دفنه فى هذا المكان، وهكذا ترى أنه جهز لنفسه المقبرة والصندوق وترخيص الدفن باسمه استعداداً للرحيل.
كان نيافته يعلم بوقت انتقاله من هذا العالم وسمح بتصويره بالفيديو فى هذا اليوم بالرغم من أنه كان لا يحب تصوير أو تسجيل أى شيء له وإنما إن كان يفعل ذلك فهو على مضض منه، وسأله أحد الآباء "يا سيدنا بكره ها تصلى فين" فقال له: "فى كنيسة مار مرقس وأبونا متياس هيصورنى بكره" أى لحظة نياحته بالقداس. واتصلت به الأم إيرينى يوم السبت صباحاً وأخبرته أنها مسافرة فى اليوم التالى فقال لها: "وأنا مسافر برضه" فقالت له: "يا سيدنا مش نيافتك أنهيت زياراتك السنوية السنة دى" فأجابها: "أنا مسافر سفريه مريحة بكره". وسأله أحد الأشخاص يوم الخميس الذى هو فصح صوم يونان: "هتصلى فين يا سيدنا الأسبوع المقبل" فأجابه: "الجمعة فى الست العذراء والأحد فى مار مرقس وبعدين مع أبى سيفين" وسأله أيضا أحد الأشخاص أن يحدد له ميعاد فى يوم الأحد ليناقشه فى موضوع فقال له: "أنا مش ها أقابل أحد يوم الأحد".
وأتت الساعة وهو يصلى القداس الإلهى فى أقدس مكان وأقدس يوم وأقدس لحظة حينما كان يقول: "يا الذى أعطى تلاميذه القديسين ورسله الأطهار فى ذلك الزمان الآن أيضاً أعطنا وكـ ..." وفيما كانت كلمة "كل" مال إلى الأمام على المذبح قليلاً لمدة قصيرة وسقط فجأة على الأرض، سقط وهو ممسك بيديه الجسد المقدس بعدما وضع الثلث فوق الثلثين على مثال الصليب.
ظل جثمانه الطاهر يوم نياحته 3/2/1991م موضوعاً أمام الهيكل والمذبح بكنيسة مار مرقس التى تنيح بها حتى منتصف الليل حيث نقل إلى كنيسة السيدة العذراء التى شيدها نيافته أثناء حياته وذلك لإقامة القداس الإلهى فى حضور جسده الطاهر.
بركة صلوات أبينا الأسقف القديس الطاهر
الأنبا مكاريوس تشملنا جميعاً. آمين .