توصية أمّ
السلام لك، يا ولدي، من الربّ الإله أبينا كلّنا الذي اصطفاك،
وسبا قلبك منذ عهد الأقمطة، فأحببته بثبات، وبقيت راسخًا في محبّته، وفي الإيمان المستقيم.
لا أغالي إن قلت إنّي أشعر بالعظمة والفخار، أنا غير المستحقّة بين سائر النساء،
لأنّي أمضي في سبيلي، وقد تركتك كاملاً بلا غضن ولا عثرات أمام الربّ.
لم أمدحك طيلة حياتي خوفًا عليك، لأنّ الكبرياء سقطة عظيمة، ولقد قال النبيّ:
"إنّ يوم ربّ الجنود على كلّ متكبّر ومتعالٍ، وعلى كلّ مرتفع فيُحَطّ" (إش 12:2).
صلّ، دائمًا، لأمّك عساها تجد رحمة لدى الربّ الديّان، وإلى الدائمة البتوليّة والدة الإله لتشفع بي،
فأحظى بالعفو والغفران. إنّي، وحتّى هذه الساعة،
ما تزال صلواتي الحارّة ترتفع إلى عرش الربّ من أجل خلاصك، فبادلني أنت، أيضًا،
هذه المنّة، وتوسّل دومًا من أجلي.
في كلّ ذبيحة إلهيّة، وأمام كلّ مذبح مقدّس قدّمتُ بخورًا، وسكبتُ دموعًا،
ليمنحك الحنّان صبرًا لإتمام شوطك في هذه الحياة بإيمان.
وإلى كلّ هيكل مقدّس هرعتُ، ولساعات طويلة تضرّعتُ ليسندك شهداء المسيح وقدّيسوه، ويؤازروك.
أكرمتُ وجه كلّ إنسان قدّيس، طالبة منه أن يرفع الابتهالات من أجلك.
جهاداتي وأتعابي كي تصبح كاملاً قُبلت كثمار زكيّة لدى الربّ.
رأيت فيك كلّ ما يدعو إلى المباهاة، ولكنّني لن أُكثر من الإطناب الآن "إذ لا خير فيه" (2كو 1:12)،
بل قدّم آيات الشكر للرؤوف القلب الذي أغدق بها عليك،
هو القادر على أن يجعلك أهلاً لأعمال برّ أعظم وأكمل. كلّ ما اشتهته نفسي كأمّ رأيته فيك، فلا يغرّنّك،
إذًا، عزّ الدنيا، ولا تبكِ على الزائلات، "وافطن لما هو فوق لا لما هو على الأرض" (1كو 2:3)،
ولا تستضف النميمة داخلك، وتنجرّ وراء عدم إيمان البعض، جالبًا الغمّ لنفسك، لئلاّ ينطبق عليك قول النبيّ:
"وعلى الأرض سعى لسانهم" (مز 9:72). انعكف على الصلاة من أجل الجميع بحرارة،
وماثل المحبّ البشر الذي سأل بتواضع جزيل من أجل صالبيه:
"يا أبتي اغفر لهم، لأنّهم لا يدرون ماذا يفعلون" (لو 34:23).
لا تحوّل وجهك عن فقير" (طو 7:4)، ولا تتغاضَ عن المُجهَدين بما أنّك أنت،
أيضًا، تتألّم حاملاً صليب المسيح. لا تنس ضيافة الغرباء، واشترك في أحزان الجميع،
وبخاصّة اليائسين، حسب المكتوب: "أمل أذنك إلى المسكين وأجِبْهُ برفق ووداعة" (سي 8:4).
كن طويل الأناة، لأنّنا كلّنا نزلاء على هذه الأرض، ولن يذهب الصبر على الفقراء هباء.
"لا تدع الكبرياء تستولي على أفكارك وأقوالك، لأنّ الكِبَر مبدأ كلّ هلاك" (طو 14:4)،
والتواضع يغلب الموت. كن رحومًا قدر طاقتك، لأنّ الرحمة "تنجّي من كلّ خطيئة ومن الموت،
ولا تدع النفس تصير إلى الظلمة" (طو11:4).
ليكن الحقّ ترسًا لك، وكن كاملاً غير محابٍ للوجوه كدأبك،
وكتلميذ حكيم عاقل لمعلّمك الإلهيّ اذكر العالم أجمع بصلواتك أمامه.
اذكر، أوّلاً، مدينتك وسكّانها برّمتهم، ولا تنس، في صلواتك، أباك الروحيّ لأنّه يكنّ لك محبّة جمّة،
ويتعب من أجل خلاصك. وصلّ، أيضًا، من أجل راحة نفس والدك بالجسد،
وتوسّل من أجل والدتك التي ولدتك لكي تحظى بغفران خطاياها.