ما هو موقف المسيحي تجاه الملك والحكومة؟
فلندرك نحن المؤمنين العهد الجديد، أن عهدنا يستند على العهد القديم.
لأن يسوع ورسله درسوا أسفاره بدقة.
وشعورهم الباطني كان ممتلئاً بالآيات والأبيات التي تضمنتها. وخاصة الاقتراحات العملية في الأمثال تأثر الرسل بها كثيراً. واقتبسوا منها حرفياً أو معنوياً. برهاناً أنهم حفظوا هذه الأيات في صغرهم غيباً. لأن والديهم ومعلميهم دربوهم على هذه المبادئ.
فلا نجد في العهد القديم الآية:
عين بعين وسن بسن
بل نجد أيضاً الوصية لمحبة العدو، التي كتبها بولس بتغيير تطوري أكثر في رسالته إلى أهل رومية ١٢: ٢٠ و٢١ «فَإِنْ جَاعَ عَدُوُّكَ فَأَطْعِمْهُ. وَإِنْ عَطِشَ فَٱسْقِهِ. لأنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ هٰذَا تَجْمَعْ جَمْرَ نَارٍ عَلَى رَأْسِهِ. لا يَغْلِبَنَّكَ ٱلشَّرُّ بَلِ ٱغْلِبِ ٱلشَّرَّ بِٱلْخَيْرِ».
فقارن هذه الأبيات مع النص الذي في الأمثال، فتعرف، الفرق بين العهد القديم والعهد الجديد.
فكلاهما يشتركان في اقتراح المساعدة العملية للعدو، لكيلا يجوع فيما بعد، بل يشبع.
عندئذ يترك المقاتلة والعدوان.
وإن أشرف على الموت بسبب عطشه، وهو ضائع في الصحراء ففتش عنه. ولا تستتهزئ به ولا تقتله. ولا تتكلم كثيراً، بل أشركه ببقية الماء الذي في حوزتك لبقائه حياً.
ساعده سريعاً عملياً بود، وتماماً وبكل قلب. فأحب أعداءك ولا تبغضهم. فتغلب أكبر أعدائك ألا وهي نفسك الشريرة.
وأما بولس فلم يحصر عون العدو بالخبز والماء. بل شمل في مساعدته كل نوع من جوع وعطش. وهذا يتضمن الجوع إلى البر والمعرفة. ولم يقصد الرسول أن يخجل العدو المتضايق، إنما أراد أن يريه المحبة، ليخجل من شره، فيتوب ويرجع من صميم قلبه.
وهكذا يعاملنا الله، الذي يرينا قداسة محبته. لندرك أنانيتنا ونجاستنا بعظمته ونشتاق إلى البلوغ في رحمة الله.
وقد ترك بولس من قاعدة محبة العدو في العهد القديم جملة قاطعة. وأضاف جملة مهمة (رومية ١٢: ٢٠-٢١)
والجملة التي تركها هي، والرب يجازيك.
لأن العهد الجديد قد غلب فكر الأجرة والمجازاة.
فالله لا يحبنا ويبررنا، لأننا نحب العدو ونعمل أعمالاً خيرية بل هو يحبنا، ونحن أعداؤه، بمحبته العظمى. وبررنا وكل الناس، مجاناً قبل إيماننا.
فيسر من كل أعمال محبتنا، المسببة من محبته. ولكن الأجرة لا ننالها لأجل الأعمال الخيرية، بل قد حصلنا على المكافأة سابقاً، إذ أن الله قد وهب لنا مسيحه المتضمن كل البركات في السماويات. ففيه أعطانا الكل والملء. فنستطيع أن نعطي بغزارة من ملئه، بدون أن نفقر.
والجملة التي أضافها بولس، هي نداء نصرته وشعار إنجيله:
لا يَغْلِبَنَّكَ ٱلشَّرُّ بَلِ ٱغْلِبِ ٱلشَّرَّ بِٱلْخَيْرِ»(رومية ١٢: ٢١)
وهذه العبارة ليست خلاصة فلسفية من قاعدة المحبة العملية. لكنها لب وجوهر العهد الجديد.
فالمسيح غلب الشر على الصليب، ولم يقع في التجربة، لأنه أحب أعداءه مصلياً الصلاة الشفاعية:
يَا أَبَتَاهُ، ٱغْفِرْ لَهُمْ، لأنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ»(لوقا ٢٣: ٣٤)
إن محبة الله تفوق كل الشر. والإنجيل يمنحك قوة عظيمة للغلبة. المحبة تفوز على الأشرار رغم ضعفنا.
الصلاة :
أيها الآب السماوي، نحن فاشلون بمحبة الأعداء. لأننا نكرههم بغير وعي.
فاملأ قلوبنا بمحبتك الحكيمة، لكي نريد إنشاء طرق عملية لعونهم ونخدمهم ونبشرهم لتغلب محبتك الشر فيهم.
نشكرك لأن ابنك رسم أمامنا انتصار المحبة بتضحية ذاته. فاغلب أولاً كل شر فينا. لكي نضحي بذواتنا لتمجيد محبتك في أعدائنا.