التعريّة
في منظر مؤلم وبكل قسوة ووحشيّة عُري الصالبون يسوع من ثيابه،
ذاك الذى صنع ثوباً من جلد لكي يستر به عُري آدم،
الذي لا يزال في السماء بحلة بهية من الأنوار،
والأرض برداء من الأزهار.
أمَّا هو فترك لباسه بفرح عظيم ليلبس أولئك الذين خرجوا من الفردوس عرايا،
لقد رأى أن يلبسهم ثيابهم ويبقى هو عارياً،
لأنَّه عرف أنَّها تصلُح لآدم المفضوح المُعرَّى من ثيابه،
ومن عرتهم الخطية من لباس النعمة الإلهيّة،
ولكن، أليست السماء هى التى قد نسجت ثوباً من آشعة القمر
وألقته على جسد خالقها فى حياته،
فلماذا الآن قد حاكت من ظلمة الليل رداءً كثيفاً مُبطّناً
بأنفاس الموت لتستر به أضلع المسيح؟!
وهكذا يتعرى آدم الجديد من ثياب الأرض،
قبل أن يرجع إلى ملكوت أبيه، ليتشح فقط
بوشاح طهره، ويتسربل بسربال محبته !!
لقد عروه من ثيابه احتقاراً (مت28:27) ،
دون أن يفهموا أنَّه تعرَّى لينزع عن أجسادنا ثياب الخطية،
لكى نلبس عوضاً عنها ثياب البر والخلاص..
لم يدركوا أن رب المجد لمّا رأى الإنسان قد تعرى من ثياب التواضع
نزل من السماء متجسداً، وتعرى من ثياب مجده و لبس ثياب التواضع،
ولمّا رآه عرياناً من ثمار المحبة غطَّاه برداء الحُب الإلهيّ!!
ولكى يزيدوه احتقاراً ألبسوه ثوباً قرمزياً لأنَّه فى نظرهم ادّعى المُلك،
فكان لابد أن يلبس ثياب الملوك، فألبسوه ثوباً لون الدم
ليتزين به العريس المقتول، لكن المحزن أنَّهم عادوا
فنزعوا عنه الرداء القرمزيّ وألبسوه ثيابه مرة أُخرى،
فكان هذا إعلاناً على أنَّهم رفضوا أن يرتدوا ثوب الخلاص،
مفضّلين ثوب الخطية التى أحبّوها وفضلوا ألاّ ينفصلوا عنها.
قال أحد الآباء:
" طرحت عني اللباس المرقّع الذى كنت ألبسه
وغسلت جسدي من الدخان الذى كنت حامله،
وألبستنى عوضاً عنه ثياب مجدك وطهارتك وبرك ".