ولاية الكرسي الأنطاكي
كانت تضمّ ولاية الكرسي الأنطاكي بادئ ذي بدء جميع البلاد الشرقية بل كان سلطانه يمتدّ حيث امتدت
المسيحية في الشرق على اختلاف أجناسه، وبعبارة أخرى كان يرئس آسيا كلها، ففي أوج عزه كان يرئس اثني عشر كرسياً مطرانياً و 137 كرسياً أسقفيا، وفي القرنين التاسع والعاشر
كان يرئس عشرين كرسياً مطرانياً و 103 كراسي أسقفية أي كانت له سلطة على أساقفة
بلاد سوريا وفونيقي وبلاد العرب وفلسطين وقي...
ليقية وقبرص وما بين النهرين إلى أقصى بلاد الفرس والهند
بل كانت الكنيسة السريانية في عهد الخلفاء العباسيين ممتدّة من الصين إلى القدس فقبرص.
وفي عهد الصليبيين أي في القرنين الحادي عشر والثاني عشر
كانت بطريركية أنطاكية السريانية أعظم وأهم سائر الفرق المسيحية في الشرق،
وفاق عدد أبنائها يومئذ عدد سائر ملل المسيحية،
وقال بعض علماء أوروبا أن عدد أبناء الكنيسة السريانية الأرثوذكسية
كان يفوق عدد اليونان واللاتين في القرون ما بين التاسع والحادي عشر.
وتخبرنا الوثائق السريانية أن الكراسي الأسقفية الخاضعة للبطريركية الأنطاكية السريانية
بما فيها كراسي مفريانية المشرق أنافت على مائة وستين 160 كرسياً في القرون 8-10
وان البطريرك قرياقس التكريتي 793- 817 رسم ستة وثمانين 86 أسقفاً،
والبطريرك التلمحري 818 –845 رسم مائة أسقف، والبطريرك يوحنا 846-873
رقى إلى درجة الأسقفية أربعة وثمانين 84، وذكر مار ميخائيل الكبير البطريرك الأنطاكي
أن عدد أساقفة بطريركية أنطاكية مدة أربعة قرون 8-12 بلغ الألف أسقف في بلاد الغرب دون الشرق،
وقد أجمع المؤرخون أن عدد السريان في تلك القرون ناهزالمليونين نسمة.
وكانت الأديرة عامرة وتعدّ بالمئات غاصّة بآلاف الرهبان، وكانت الكنائس قائمة منتشرة في سائر أنحاء
الامبراطورية العربية والسبب في هذا التوسّع والانتشار والازدهار يعود كما قلنا سابقاً إلى ما اتصف به
العهد العربي من الهدوء والطمأنينة والاستقرار السياسي، هذا من جهة،
ومن جهة ثانية أن العرب المسلمين قدموا من الجزيرة العربية إلى هذه البلاد رافعين راية العلم والتسامح،
موجهين من قيادة عربية مسلمة نبيلة، ففي الأيام الأولى من الفتح المبين احتضن الخلفاء الراشدون
المسيحية بالرفق والعطف، وصانوا حقوق المسيحيين بالعهود والمواثيق اقتداء بالنبي العربي محمد،
وأوصوا بهم خيراً، وفي عهد الأمويين ترك الخلفاء المدارس قائمة في كل مكان دون أن يمسّوها بأذى
إكراماً للعلم والانسان، وبرهاناً على روح تسامح الدين الإسلامى العربى،
وقد أشاد التاريخ السرياني بمآثر العرب، وسموّ خلقهم الرفيع،
ونعتهم بالقوم (الرحومين) ووصف عهدهم بعهد الرحمة وأجاد كل الإجادة غوستاف لوبون الذي قال في
كتابه حضارة العرب ( لم يعرف التاريخ أرحم من العرب).
في 20 آب 636 كانت سورية بأسرها بيد العرب من الشمال إلى الجنوب،
وقد ودع هرقل الروم سورية بعبارته المعروفة (عليك يا سورية السلام ونعم البلد لهذا العدو)
كما تمّ احتلال ما بين النهرين مابين عام 639- 646 وهكذا دخلت الكنيسة السريانية
في حكم جديد هو حكم العرب المسلمين الذي كان عليهم عهد خير وبركة،
ومن هنا سمّى السريان عمر بن الخطاب بلسانهم السريان "فوروقو" فاروق أي مخلص ومنقذ لأنه
أنقذهم من الروم والفرس كما قلنا.