الآن عرفتُ معنى الصليب !!
إنّ بعض الأمور الغامضة، باتت الآن بغير حاجة إلى إيضاح،
رغم إنّ العقل يقف عاجزا عن فهم الحقيقة،
فقد تكشفت لي رؤيا جديدة،
وعرفتُ معنى الصليب،
فالصليب هو قصة الفداء،
للبشر كل البشر،
هو المحبة التي لا محبة بعدها،
هو البذل والعطاء، وليس هو الأخذ البتة.
هو طريق الجلجلة،
إذ أنّ الصليب يتناول بجملته مصير حياتي،
يتناولها إلى المنتهى،
إلى الأبدية المطلقة.
هو القوة رغم الضعف والألم، والسخرية، والهزأ،
فالعالم لا ينتظر سوى السيف والعنف.
في الصليب تسمو المحبة وحدها،
ولا شيء غير المحبة،
المحبة التي تسمو فوق، فوق السموات،
المحبة التي لا يمكن سبر غورها،
والتي لا يسعها الكون، وكل ما فيه.
وهذا ما يدعو إلى العجب، وإلى الدهشة
لذا قد يكون من الضروري أنْ نحب ما لا نستطيع فهمه !
وما يبدأه الحب ليس في ميسور أحد غير الله أنْ ينهيه
وحبا كهذا يحرك قلوبنا هذا إنْ لم تكن قلوبنا قاسية كالصخر،
أنْ يأتيكَ الصفح وأنت في أرض المعركة، تقاتل دون هوادة.
هو أمر يفوق كل تصور بشري،
أنْ يضحي الله بابنه من أجلي، من أجلك، من أجل كل البشر،
أنْ يسير على طريق مخضب بالدم،
إلى الجلجلة،
ليموت لكي لا نموت نحن، من نستحق الموتَ،
أنْ يتحمل العار الذي كان على، وعليكَ، أنْ تتحمله،
أنْ تستقر عليه اللعنة،
لكي ينتزع الميت من قبره،
فالحياة الجديدة تزيح الأوراق القديمة التي تتساقط الواحدة بعد الأخرى على الأرض
الحياة التي تندفع على طريق حياة أبدية جديدة،
إنّه أمر فظيع أنْ يعيش المرء في الوحل الذي يكرهه،
إنّ يكون كالثعبان الذي كسر ظهره فأخذ يحاول أنْ يعظ نفسه،
ونهج العدوان غالبا ما ينتهي إلى مستنقع من الدماء والمذابح والموت.
أعرف يقينا أنّي إنسان خاطئ، هالك،
من أخمص قدمي إلى هامة رأسي،
أعيش في عزلة روحية،
كنتُ كشجرة بأوراق ولكن من دون ثمار،
كنتُ أقرع باب قبري،
كان قلبي أرض معركة
كنتُ أشبه بطير أبيض يرفرف فوق بحر قذر وملوث
لم تكن حياتي منسجمة مع قصد الله
كانت أمور هذه الحياة الفانية تشدني شدا
كانت لي ذكريات مخجلة عن ماض حافل بالخطيئة
كنتُ أتصرف في جهل وحمق في كل حين،
في أكثر نواحي الحياة،
كنتُ كالخشب الذي يعوم على وجه المياه بعد هبوب العاصفة
وضعتُ نفسي خارج الغفران.
عبثا حاولتُ كل أيّام حياتي، أنْ أبحث عن طريق آخر،
ورغم ذلك لا أعرف كنهه.
تشبثتُ بالتدين،
لكن تمزق رداء قداسته المصطنع،
إنّ الدين يهون الأمور على الموتى كثيرا،
فهو يجلب على أتباعه مكافآت أرضية تفوق كل خيال
فالناس في تدينهم لا يحيون حياة واقعية بل يمثلون دورا،
السلام لا يأتي عن طريق الحرية.
إنّ الإنسانية اختارت أنْ تتمرد على الله،
فالناس ما لم تتناغم قلوبهم مع الله لن يتمكنوا أنء يمنحوا محبتهم للغير
عرفتُ أنّي تأرجحت في بحر هائج من دون ربان، أو دفة،
فرفض الحق والمحبة يؤول إلى موقف يستحيل حصول مصالحة مع الله.
وأستخفاف بالنور، وبالحق.
عرفت أنّه لم يبق أمامي غير ملجأ واحد ألوذ إليه،
عرفتُ الدرك الأسفل الذي تحدر الخطيئة أسراها
وكشفتْ شريعة الله مدى اتساع خطاياي وخطورتها،
أنْ أبقى وسط مياه مضطربة،
أنْ أنساق وراء الضلال،
أنْ أتمسك بالحرية التي تضرب الحرية،
أنْ أرفض الحق في سبيل الإبقاء على التعالي،
أنْ أترك حياتي تحت مشقة مشاغل الدنيا،
إنسان لا صلاح فيه،
إنسان تعصف فيه الشهوات،
لا حيلة لي في مواجهة مصيري التعيس،
فقد كبلتني الخطيئة،
ووضعتْ رجليّ في المقطرة.
عرفتُ أنّ لا درب آخر يأتي بي إلى السماء،
إلى المصالحة،
إلى حياة أفضل،
إلى يقين الخلاص،
إلا من خلال الصليب.
الصليب وحده!