في الفكر السرياني
اعداد الربان انطونيوس لحدو
أخذ علماء السريان يدرسون فلسفة العرب منذ القرن العاشر فما بعد،
ويأخذون بها، وقد اقتبس كثيرون منهم النظريات الفلسفية العربية،
وإن السريان استساغوا هذه الأفكار لأنها صادرة عن عقول تؤمن بالله وخلود النفس والقيامة والدينونة،
ولأن فلاسفة العرب المسلمين استقوا الحكمة والمعرفة من أصول سريانية ويونانية عن طريق السريانية،
ولم يقف فلاسفة السريان موقف الأخذ واقتباس الأفكار الدينية الفلسفية
فحسب بل نهجوا منهجهم في سلوك الطريقة الرمزية في الشعر الفلسفي،
والطريقة الرمزية هذه تعبِّر عن الأفكار بالألغاز والرموز، ولها وجهان،
أحدهما يمثل الحقائق المجردة بالرموز الحسية والثاني يعبِّر عن الأمور الحسية بالرموز المجرّدة
وقد نهجها فلاسفة العرب، مثل ابن سينا في رسالة الطير،
وفي رسالته التي تضمّنت إثبات وتأويل رموزهم وأمثالهم،
وقصة حي بن يقظان لابن طفيل وغيرهما، وقد تأثّر كل من البطريرك ابن المعدني 1263+
وابن العبري 1286+ بهذا النهج الفلسفي الرمزي،
فابن المعدني في قصائده الصوفية الثلاث الأولى في الطير وقد عارض فيها قصيدة ابن سينا التي مطلعها:
هبطت إليك من المحل الأرفع ورقاء ذات تعزّز وتمنَّع
أما ابن العبري (الصورة) في مؤلفه علم النفس يظهر تأثره بابن سينا في أمور كثيرة،
في النفس، ونظرية المعرفة، والسعادة، والخير والشر، الخ.
وابن العبري يسمي ابن سينا (أستاذنا) وقد أطنب في مدحه بقوله (أنه لما اخذ (ابن سينا)
وزنة (فلسفة) أرسطو طاليس لم يردها خمساً لكن أكثر من خمسين وزنة،
وقد آل به الأمر أن يترجم إلى السريانية بعض كتبه كما سبق شرحه.
ولابن العبري قصيدة بموضوع (الحب الإلهي) جار بها سلطان العاشقين عمر بن الفارض،
ويتّخذ الخمرة مثالاً لهذا الحب بطريقة الخيام المعروفة، كما تأثّر ابن العبري
فأخذ عنه آراء في السياسة والاجتماع، كما استمدّ فكرة (الممكن الوجود)
كما تطرّق في بحثه عن خلقة الملائكة إلى نظرية الفيض كما أوردها الفارابي.
هذا وتركت العربية آثاراً أخرى في النحو السرياني والشعر، فإن الربان أنطوان التكريتي الفصيح
أدخل إلى الشعر السرياني القافية تشبّهاً بالعرب،
وأدخل ابن العبري إلى النحو السرياني أبواباً عديدة اقتباساً من نحو العرب.
هذا ونأمل أن تتاح لنا الفرص لنقدّم دراسات وافية فيما يخص العربية والسريانية.