الله أم الوطن؟
*******
المسيحي كالمسيح يحب الوطن، ويعمل كل ما في وسعه ليجعل منه وطنا أفضل،
كان إرميا النبي شبيها بالمسيح، إذ رأى بعينيه البابليون وهم ينقضون على أورشليم،
ويسوونها وهيكلها بالتراب، ورأى القتلى من أبناء شعبه في الشوارع، فصرخ:... "
يا ليت رأسي ماء وعيني ينبوع دموع، فأبكي نهارا وليلا قتلى بنت شعبي "(إرميا 9: 1).
فالمؤمن يحب سلام الوطن، ويصلي دائما لأجله: "اطلبوا سلام المدينة.
وصلوا لأجلها إلى الرب، لأنه بسلامها يكون لكم سلام" (إرميا 29: 7).
لقد أحب المسيح أورشليم وأظهر عواطفه نحوها وفيما هو يقترب نظر إلى المدينة وبكى عليها
قائلا: "إنك لو علمت أنت أيضا حتى في يومك هذا ما هو لسلامك. ولكن الآن قد أخفي عن عينيك.
فإنه ستأتي أيام ويحيط بك أعداؤك بمترسة ويحدقون بك ويحاصرونك من كل جهة ويهدمونك
وبنيك فيك ولا يتركون فيك حجرا على حجر لأنك لم تعرفي زمان افتقادك"
(لوقا 19: 41)
ويمكننا فهم مشاعر المسيح عندما نذكر ما قاله ونستون تشرشل في مطلع الحرب العالمية الثانية
للشعب الإنجليزي: "ليس عندي ما أقدمه لكم سوى العرق والدم والدموع".
وهل ننسى نحميا، الذي جاء من بعيد وترك أعلى المناصب،
وكيف كان يتأمل خرائب أورشليم، وقد وضع في قلبه بناء سورها المنهدم، فالمؤمن يحب وطنه
وينشغل به دائما، كدانيال الذي كان يصلي وكواه مفتوحة نحو الوطن!
على أن أصعب موقف يمكن أن يتعرض له المؤمن هو الاختيار بين الله والوطن،
كان إرميا يحب بلاده ويغير عليها كأعظم الوطنيين في "ميدان التحرير المصري"
لكنه مع ذلك كان موقفه كإبراهيم فوق جبل المريا، وهو يمد يده ليذبح أغلى من عنده،
لقد كانت أورشليم محاصرة، وكان من المؤلم أن ينادي بعدم مقاومة الأعداء،
والاستسلام لنبوخذ نصر، لقد كان قلبه يتمزق بين حبه وحنانه للوطن،
والقسوة الشديدة أن ينادي بالخراب عليه.
قال أحد الأمريكان إبان الثورة الأمريكية: أنا مع الوطن في الحق والباطل على السواء،
بينما اختلف معه آخر إذ قال: أنا مع الوطن في الحق فقط،
أما في الباطل فأصحح وطني ليصل إلى الحق، فعندما يمتحن المؤمن هذا الامتحان القاسي:
الله أم الوطن؟ الحق أم الوطن؟
فليس أمامه سوى خيار الرسول بطرس: "ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس"،
ويقصد بالناس كل الناس، بمن فيهم الحكام أو المحكومين،
لقد كان النبي إرميا أمينا في عدم الذهاب إلى بابل، وفي الوقت نفسه تنبأ أقسى النبوات على بابل.
إن المسيحي الحقيقي هو شخص سماوي القلب، نزيل وغريب في الأرض،
لا يحب العالم
(أي الأمور الأرضية والمبادئ الشريرة والشهوات الردية)،
لكنه في الوقت ذاته مخلص لبلاده
التي يعيش فيها، طالبا سلامها.
وفي قصة حياة الرب يسوع في أرضنا، نلحظ اهتماما خاصا بالمكان الذي عاش فيه،
فنقرأ عنه: "ولما جاء إلى وطنه كان يعلمهم ..." (متى 13: 54)،
وأيضا "وجاء إلى الناصرة حيث كان قد تربى ..." (لوقا 4)
************
1- فالمسيحي الحقيقي يخضع للقوانين ويطيعها. وهذا تعليم المسيح إذ قال:
«أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله» (مرقس 12: 17)،
مؤكدا أهميه الوفاء بما علينا من التزامات تجاه البلاد.
وأكد على ذلك الرسول بولس قائلا: «فأعطوا الجميع حقوقهم ...» (رومية 13: 7).
***
2- المسيحي الحقيقي يحترم المسئولين ويقدرهم. الكتاب المقدس يعلمنا احترام كل من
هم في منصب إكراما للرب نفسه، وذلك لأنهم مرتبون من قبل الله (رومية 13).
و «مكتوب: رئيس شعبك لا تقل فيه سوءا» وأيضا:
«فأطلب أول كل شيء أن تقام طلبات وصلوات وابتهالات وتشكرات لأجل جميع الناس،
لأجل الملوك وجميع الذين هم في منصب، لكي نقضي حياة مطمئنة هادئة في كل تقوى
ووقار» (تيموثاوس 2: 1).
***
3- المسيحي الحقيقي لا يحب الفوضى والتخريب. فقد تجد من يسرق أموالا عامة،
أو يرتشي، أو "يزوغ" من العمل أو يخرب في البلاد.
لذلك يقول الكتاب: «ولا تشتركوا في
أعمال الظلمة غير المثمرة بل بالحري وبخوها» (أفسس 5: 11).
***
4- المسيحي الحقيقي يحيا حياة الأمانة. "أن تكون سيرتكم بين الأمم حسنة ...
أعمالكم الحسنة التي يلاحظونها ...
لأن هكذا هي مشيئة الله: أن تفعلوا الخير فتسكتوا جهالة الناس الأغبياء" (1 بطرس 2:؟ 11-15).
إن جهالة الناس الأشرار تشن باستمرار حروبا وافتراءات، وبلا هوادة،
ضد المسيحيين الأتقياء وضد الإيمان المسيحي ...
ويعلمنا الكتاب هنا أن حياة الأمانة وفعل الخير للجميع وللبلاد،
هي أفضل الردود على هذا الافتراء.
***
5- المسيحي الحقيقي إيجابي ويشارك في بناء الوطن. فالمسيحي كسيده،
يجول يصنع خيرا، ويشارك في كل ما يبني الوطن سواء بتقديم المساعدة،
أو بالمشاركة في الانتخابات، أو بأية صورة سلمية بناءة وحضارية.
وخدمته هي: "لا بخدمة العين كمن يرضي الناس، بل ببساطة القلب،
خائفين الرب وكل ما فعلتم فاعملوا من القلب، كما للرب ليس للناس،
عالمين أنكم من الرب ستأخذون جزاء الميراث،
لأنكم تخدمون الرب المسيح وأما الظالم فسينال ما ظلم به، وليس محاباة" (كولوسي 3: 22-24).
وإن كان أحيانا يظلم المسيحي في التقدير أو الأجر الأرضي، لكن يوجد جزاء وتقدير من الرب أعظم.
إذا، فالمسيحي الحقيقي غريب ونزيل في الأرض، لكنه نافع لمن حوله، مخلص للبلاد،
أمين في أي عمل يعمله أو مسؤولية توضع عليه. له ضمير صالح يحكم تصرفاته:
"أن لنا ضميرا صالحا راغبين أن نتصرف حسنا في كل شيء" (عبرانيين 13: 18).
ليتنا نكون كذلك لمجد الله وخير الوطن!
† "تعرفون ألحق والحق يحرركم" †