افضل هدية للامومة
لا شك انها فكرة جيدة تحديد يوم عالمي لاكرام الام.. مع انه يجب اكرامها كل ايام السنة وليس فقط يوما واحدا... فالام رمز للتضحية والتفاني، فهي كالشمعة التي تذوب لانارة الطريق للاخرين. والام تستحق الاكرام والاحترام، فأكبر الرجال واعظمهم عبروا رحم الام ورضعوا الحنان من صدر امهاتهم.. مما منحهم شعورا عميقا بقيمة الحياة وقيمتهم للحياة.. وفي اماكن مختلفة في العالم، يقدم البنون والبنات الهدايا الجميلة من اجمل الورود والازهار لامهاتهم معبّرين عن تقديرهم وامتنانهم للامومة.. ومع ان الام تفرح بالورود الجميلة، لكنها تستحق هدايا اكثر واعظم من ذلك، فهي تستحق اكراما اكثر واحتراما اكبر واهتماما اشمل واصغاءا اكمل وتعبيرا عن التقدير والامتنان بشكل عملي وملموس..
والرسول بولس العظيم قال في الوحي المقدس "اكرم اباك وامك لكي يطول عمرك على الارض"(افسس 6).. ومع ان الفكرة السائدة ان الاعمار بيد الله والامر صحيح، لكن هنا يقول ان عدد سنوات عمرك في هذه الدنيا يحدده ايضا مدى اكرامك لامك ولاهلك، فالاولاد الذين يحتقرون امهاتهم يكونون تحت لعنة مدى حياتهم ويقصر عمرهم، لان الله لا يكون راضيا عنهم، بسبب موقفهم الجاحد للوالدين وخاصة للام. والقول الشائع ان رضى الله من رضى الوالدين، لهو مبدأ الهي صحيح....فالرسول بولس يجزم هنا ان الذين يكرمون والديهم يكون لهم خير وبركة ونعمة وطول ايام....
والغريب ان عندما اراد الله ان يتجسد ويتأنس ويدخل هذا العالم الذي خلقه، قرر ان يأتي بواسطة امرأة اي ام، ولحكمة الهية عميقة ودفينة، اختار الامومة ، لان من خلال ذلك، اراد ان يقول شيئا صارخا عن مدى اهمية وعظمة الامومة في نظره... كان ممكنا ان يأتي الى العالم من دون رحم ام، لكنه بلا شك قصد ان يولد بواسطة مريم المطوبة والتقية...ويقول الانجيل ان يسوع كان خاضعا لامه محترما لها... رغم عظمته، لم يستهن ولو ذرة بأمه، بل اراد ان يكون لنا مثالا في احترام واكرام امهاتنا ونموذجا رائعا في تقدير الامومة...
ومع انتشار المثليين نقول أ ليس هذا مخطط شيطاني للقضاء على العائلة وخاصة الامومة التي ابدع فيها الخالق... فعند زواج رجليين او امرأتين، اين تكون الامومة؟؟. اين تصير فكرة الام المضحية والمتفانية، والتي تحمل طفلها اشهر محتملة اياه؟... ان الترتيب الالهي المقدس والرائع والعجيب هو فكرة العائلة اي "الاب والام والابناء والاخوة"، ففي هذا الترتيب نرى روعة فكرة الامومة والابوّة والاخوّة والبنوية والعائلة المتماسكة، لان الانسان لم يولد منعزلا عن الاخرين، بل مرتبطا ومتعلقا بهم ومتعايشا معهم... وفكرة العائلة وخاصة الامومة هي دواء للانانية التي يعاني الانسان منها، والتي هي سبب كل دمار اجتماعي او عائلي... فالام مدرسة تعلّم الاجيال التفاني والتضحية من دون كلام.. فلا مكان للانانية في قلب الام، بل هي تتعب وتضحي وتتنازل لاجل الاخرين، وتكرس كل وقتها وفكرها واهتمامها لاجل طفلها وذلك لسنوات طويلة، وكثيرا ما يجحد الولد ويحتقر امه ويسخر من كلامها، ومع ذلك تبقى مُحبّة له ومشغولة به....فالام رمز للعطاء بلا مقابل وهي تقدّم ذاتها ذبيحة على مذبح العناية باولادها، غير آبهة بموقفهم وشح تقديرهم وضآلة عرفانهم وضحالة تعبيرهم....
في احد الايام طرق سائق التكسي الباب، فرد احد الاولاد من الداخل وقال :" نحن لوحدنا، فأمي في المستشفى وانا واخوتي ووالدي، كلنا لوحدنا في البيت"... مع ان الاب والاخوة والاخوات جميعهم كانوا في البيت، لكن شعر الولد انه لوحده.... فالبيت من دون ام، يكون موحشا، ويشعر الجميع بالوحدة...
ولكن للأسف يزداد في هذه الايام الاحتقار والاهمال للامهات..رغم التقدم العلمي والتطور التكنولوجي وتضاعف عدد علماء النفس والاجتماع والفلسفة، الا ان الانسان كل مرة يصبح اكثر انانيا واكثر ذاتيا محتقرا لوالديه خاصة لامه... يزداد العلم ويقل الاكرام والاحترام والاهتمام بالام، فيتميّز هذا الجيل بالنكران والجحود والعقوق...ليت هذا يكون صوتا ونداءا للرجوع الى القيم المسيحية الانجيلية التي منها اكرام الام لان ذلك من اكرام خالقها....
واخيرا انه لجميل ورائع ان يوم اكرام الام في الشرق هو يوم بداية فصل الربيع اي الحادي والعشرون من شهر آذار .. يوم بداية الازهار والبراعم وانتشار الحياة في كل مكان، فالام ربيع دائم اخضر وزاهر، وهي تأتي بالازهار والبراعم الى هذا العالم.. تأتي بالاطفال ببرائتهم وبساطتهم، لكن صيف هذا العالم وخريفه وشتاءه يفسدون هؤلاء الاطفال، ويزرعون في اعماقهم جفاف الصيف وهيجان الخريف وبرودة الشتاء، ولا عجب ان يكون المجتمع اليوم جافا كالصيف وهائجا الخريف وباردا كالشتاء ويحتاج الى نضارة الربيع، وذلك من خلال العودة الى كل القيم الالهية التي غرسها الله في الانسان والتي تدفئ العلاقات وتدفع القيم وتنعش الشركة بين ابناء البشر... ان هذه القيم الالهية جمّعها الله في قلب الام! ، فكثيرا ما يظهر موقفنا الحقيقي نحو الله في موقفنا اليومي من امهاتنا اللواتي ولدننا الى هذا العالم، وخاصة من اولئك الذين ولدونا بكلمة الحياة الى الحياة الابدية...
بقلم القس ميلاد يعقوب