(( أومن يا سيد فأعن عدم ايماني ....والمنظر الختامي الأخّاذ: «فأمسكه يسوع بيده وأقامه، فقام» )) (( الأحد الرابع من الصوم ))
جاء في انجيل مرقس ....(( فَأَجَابَ وَاحِدٌ مِنَ الْجَمْعِ وَقَالَ :«يَا مُعَلِّمُ، قَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكَ ابْنِي بِهِ رُوحٌ أَخْرَسُ،
18 وَحَيْثُمَا أَدْرَكَهُ يُمَزِّقْهُ فَيُزْبِدُ وَيَصِرُّ بِأَسْنَانِهِ وَيَيْبَسُ. فَقُلْتُ لِتَلاَمِيذِكَ أَنْ يُخْرِجُوهُ فَلَمْ يَقْدِرُوا».
19 فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ:«أَيُّهَا الْجِيلُ غَيْرُ الْمُؤْمِنِ، إِلَى مَتَى أَكُونُ مَعَكُمْ؟ إِلَى مَتَى أَحْتَمِلُكُمْ؟ قَدِّمُوهُ إِلَيَّ!».
20 فَقَدَّمُوهُ إِلَيْهِ. فَلَمَّا رَآهُ لِلْوَقْتِ صَرَعَهُ الرُّوحُ، فَوَقَعَ عَلَى الأَرْضِ يَتَمَرَّغُ وَيُزْبِدُ.
21 فَسَأَلَ أَبَاهُ:«كَمْ مِنَ الزَّمَانِ مُنْذُ أَصَابَهُ هذَا؟» فَقَالَ: «مُنْذُ صِبَاهُ.
22 وَكَثِيرًا مَا أَلْقَاهُ فِي النَّارِ وَفِي الْمَاءِ لِيُهْلِكَهُ. لكِنْ إِنْ كُنْتَ تَسْتَطِيعُ شَيْئًا فَتَحَنَّنْ عَلَيْنَا وَأَعِنَّا».
23 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ:«إِنْ كُنْتَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُؤْمِنَ. كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ لِلْمُؤْمِنِ».
24 فَلِلْوَقْتِ صَرَخَ أَبُو الْوَلَدِ بِدُمُوعٍ وَقَالَ:«أُومِنُ يَا سَيِّدُ، فَأَعِنْ عَدَمَ إِيمَانِي».
25 فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ أَنَّ الْجَمْعَ يَتَرَاكَضُونَ، انْتَهَرَ الرُّوحَ النَّجِسَ قَائِلاً لَهُ:«أَيُّهَا الرُّوحُ الأَخْرَسُ الأَصَمُّ، أَنَا آمُرُكَ: اخْرُجْ مِنْهُ وَلاَ تَدْخُلْهُ أَيْضًا!»
26 فَصَرَخَ وَصَرَعَهُ شَدِيدًا وَخَرَجَ. فَصَارَ كَمَيْتٍ، حَتَّى قَالَ كَثِيرُونَ: «إِنَّهُ مَاتَ!».
27 فَأَمْسَكَهُ يَسُوعُ بِيَدِهِ وَأَقَامَهُ، فَقَامَ.
28 وَلَمَّا دَخَلَ بَيْتًا سَأَلَهُ تَلاَمِيذُهُ عَلَى انْفِرَادٍ:«لِمَاذَا لَمْ نَقْدِرْ نَحْنُ أَنْ نُخْرِجَهُ؟»
29 فَقَالَ لَهُمْ:«هذَا الْجِنْسُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَخْرُجَ بِشَيْءٍ إِلاَّ بِالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ».
30 وَخَرَجُوا مِنْ هُنَاكَ وَاجْتَازُوا الْجَلِيلَ، وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَعْلَمَ أَحَدٌ،
31 لأَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُ تَلاَمِيذَهُ وَيَقُولُ لَهُمْ:«إِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي النَّاسِ فَيَقْتُلُونَهُ. وَبَعْدَ أَنْ يُقْتَلَ يَقُومُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ». ........مرقس 9 ))
هذه القصة تستعرض أمامنا بشكل مؤثر، عواطف قلب أب تجاه ابنه. وهي أيضًا تضع أمامنا مبادئ هامة ونافعة للآباء في كل حين.
أولاً: تكشف القصة النقاب عن الحرب الروحية، وتعرض أمامنا هذا الصراع المستمر في كل العصور: الصراع مع أجناد الشر الروحية في السماويات. فقد يركز المجتمع على الصراعات القومية، أو الخصومات الشخصية، أو الاضطرابات الاقتصادية. ولكن الأصل الدفين وراء كل ويلات العالم هي هجمات الشيطان، ذاك الذي كل شهوته أن «يسرق ويذبح ويهلك» ( يو 10: 10 ). فهذا الولد المسكين لم يكن بمقدوره أن ينظم حياته أو يتحكم فيها. ولقد حاول الروح النجس كثيرًا أن يقتله. فالحرب الروحية إذًا حقيقة لا يمكن تجاهلها.
ثانيًا: أحضر الأب ابنه إلى الرب يسوع. لم يكن هناك خيار آخر أمامه إذا أراد إنقاذ ابنه. فحتى التلاميذ عجزوا عن مدّ العون له. وقد قوبل طلب الرجل بترحاب واهتمام الرب، فدعاه: «قدموه إليَّ» (ع19). وهذا بالضبط ما ينبغي أن نعمله: أن نستحضر عائلاتنا إلى الرب يسوع. فهو وحده الذي يستطيع أن يسد حاجات أولادنا، إذ أنه وحده الذي يعلم هذه الاحتياجات بالضبط، كما حدث في قصتنا. فالأب تحدَّث عن «روح أخرس» (ع17)، ولكن الرب يسوع انتهر الروح النجس قائلاً له: «أيها الروح الأخرس الأصم ...» (ع25).
ثالثًا: الإيمان أمر جوهري ولازم. فالأب في قصتنا لم يتحدث عن استحقاق شخصي أو ثقة في ذاته، بل بالحري صرخ في استعطاف وبدموع، وقال: «أؤمن يا سيد، فأعِن عدم إيماني» (ع24). فاقترابنا إلى المسيح يأتي بعد اكتشافنا لخوائنا الروحي ولخطيتنا ولعدم استحقاقنا ولفشلنا الدائم والمستمر، وإذ ذاك نضع ثقتنا في الرب يسوع باعتباره الشخص الذي دفع ديننا بموته وذبيحته الكاملة الكافية. وعندما نختبر كفاية الرب لسداد كل احتياج لنا وإشباع كل عَوَز فينا، عندئذ يمكننا أن نستحضر أولادنا وعائلاتنا له.
والمنظر الختامي في قصتنا، منظر أخّاذ: «فأمسكه يسوع بيده وأقامه، فقام» (ع27). فعوضًا عن أن يترك الولد ليتشدد من ذاته، فإنه ـ تبارك اسمه ـ يمده بالقوة اللازمة لذلك