قرأت خبراً صغيراً يقول : ( البابا يغيب عن مراسم تشييع جثمان والدته إلى مدافن العائلة بالدقهلية ) ،
وتفاصيل الخبر تخبرنا بالسبب : ( نظراً للحالة الأمنية التى تمر بالبلاد !! ) .
تألمت للخبر وتأسفت ، بل أقول : " لقد هزنى الخبر " ..
ما أقساها من ظروف تمنع المرء ( وإن كان هو قداسة البابا نفسه ) من أن يحضر هذه الدقائق الأخيرة من الفصل الأخير فى قصة علاقة فريدة بينه وبين محبوبته الأولى .. !!
لم تمنع كل الظروف السياسية ، آنذاك ، الخاصة من التلاميذ والمريمات وأمه العذراء من أن يكفنوا الجسد المقدس ويتباركوا بدفنه ويتلامسوا مع سر الموت والقيامة مصدراً وإلهاماً إلاهياً للمعمودية والميرون وسكنى الروح القدس فينا ، والذى نتمع نحن به الآن ..
فماذا بك يا وطن حتى تحول بين إبن وحضور دفن أمه ومحبوبته التى لن تعوض ؟ !!
الوطن مريض .. آاااه ، لقد كانت أمه مريضة لشهور طويلة فى مستشفى مارمرقس بالإسكندرية ، كانت تقاوم وتصارع المرض القاسى ، وكان إبنها البابا البطريرك يزورها بين الحين والآخر ليباركها ويتبارك بها ، يصلى لها وتدعو هى له وقد تبوأ مسؤولية جسيمة ، تشعر بأمومتها بعظم ثقلها حتى لم يتحمل جسدها الضعيف خبر ترشحه لها ، فرقدت فى فراش المرض ولم تقم منه !!
كانت أمه مريضة وبحسها الروحى لم تحتمل أن يتحمل إبنها المحبوب أثقال شعبه ، وها الآن أمنا - مصر - مريضة بمرض أخطر ، فهذه الميكروبات والفيروسات تهاجم جسدها وإقتصادها وسياساتها وعلاقاتها الدولية والقومية ، وتفتك بأبنائها فيسقط منهم العشرات بين الحين والآخر صرعى أقسى مرض يمكن أن يصاب به وطن .. !!
الخبر يقول : ( تشابك الأهالى والمتظاهرين المسلحين بعد أن شعروا - الأهالى - بعدم قدرة قوات الأمن على التصدى لهم ) ، ضعفت مناعة الأم - مصر - فلم تعد لها قدرة بعد على مقاومة الجراثيم الفتاكة ، فسقطت الصحفية الشابة ( ميادة أشرف ) برصاصات الخسة والغدر ، وذبحت القبطية الشابة ( مارى سامح ) بطعنات الغل والكراهية لصليب رب المجد ، ومع حالك المريض يا أمى مصر ، قرر البابا أن يحرم نفسه من تلك الدقائق النادرة فى حياة أى إبن .. !!
أى وطن هذا الذى يصطف فيه رجال الأمن كثكنة عسكرية لحماية كنيسة ؟ وأى وطن هذا الذى أدخل فية إلى مكان عبادتى تحت أجهزة التفتيش والبحث عن المتفجرات ؟ !! .. ومع جزيل شكرى وإمتنانى لرجال الأمن والشرطة والجيش على ما يبذلونه من جهد ووقت وتعب ، أشعر بالإشفاق عليهم كحائط صد ومناعة ضد الجراثيم ، وأشعر بالحزن على من يسقط منهم شهيداً ، وأطلب لأجهزتهم المناعية قوة ، ولقادتهم حكمة وإلهاماً إلاهيا حتى يتعافى الوطن وتشفى الأم ..
أشعر بمشاعر قداسة البابا ، فكم يتأثر لفراق أمه بالجسد ، وكم يتأثر لمرض أمنا كلنا ، نصلى معه من أجل نياح والدته إذ له ولنا فى رجاء القيامة كنزاً لا يفنى ، ونصلى معه من أجل أمنا مصر إذ لنا فى محبة السيد المسيح لهذا الوطن الذى ضمه طفلاً والعائلة المقدسة
، لنا رجاء لا يخيب أبداً أنها لابد أن تتعافى سريعاً وتعود بأقوى حال وأشد عافية ..