((لما دخل المسيح اورشليم ارتجت المدينة كلها........ تأملات في أحد الشعانين ))(( بمناسبة أحد الشعانين ....2 ))
جاء في الكتاب المقدس (
ولما قربوا من أورشليم وجاءوا إلى بيت فاجي عند جبل الزيتون، حينئذ أرسل يسوع تلميذين، قائلاً لهما: اذهبا إلى القرية التي أمامكما، فللوقت تجدان أتاناً مربوطة وجحشاً معهما فحلاهما واتياني بهما، وإن قال لكما أحد شيئاً فقولا الرب محتاج إليهما، فللوقت يرسلهما. فكان هذا كله لكي يتم ما قيل بالنبي القائل: قولوا لابنة صهيون هوذا ملكك يأتيك وديعاً راكباً على أتان وجحش ابن أتان. فذهب التلميذان وفعلا كما أمرهم...)
"لا تخافي يا ابنة صهيون، هوذا ملكك يأتي جالسا على جحش أتان" (يو 12)
جاء مخلصنا الى هذا العالم في أفل مظاهر التواضع، وعاش حياته بعيدا عن كل ما يؤول الى الفخر والتمجيد، أحب العزلة واّثر الأنفراد وتجنب كل تصرف ينتظر من ورائه مجدا، ولكنه الاّن اتخذ طريقة مخالفة كلية لتصرفاته السابقة،
فكان قبلاً يدخل اورشليم لا يصيح ولا يصرخ ولا يسمع أحد في الشوارع صوته أما الاّن فأراد أن يدخل علانية محاطا بموكب عظيم ممجدا كملك اّت ليفتقد رعاياه، وذلك لأنه أراد أن يرفع حينئذ الحجاب عن مجد ملكوته الذي أخفاه في حياته وان يعلن بذلك الأحتفال أنه المسيح ملك العالم الروحي الذي ينتظره اليهود ملكا لهم.
لقد بين لهم فيما مضى وظيفته النبوية بالوعظ والتعليم والأنذار. والاّن يظهر وظيفته الملكية وسيظهر عند صلبه وظيفته الكهنوتية.
وقد دخل المخلص ذلك الموكب الجليل وقبل تلك المظاهرات الفخرية ليرى خصومه شيئا من عظمته واقتداره على اكتساب تكريم الجمهور اياه، وعدم مبالاته بقوة خصومه وعدواتهم وأوامرهم، وأنه قادر أن يخلص ذاته من مكائدهم ان شاء ذلك، فيكون استسلامه لتعذيبهم وصلبهم أياه باختياره ليتم قصده من نزوله من السماء (لأنه اذ وجد ذاته في الهيئة كانسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب، في 2).
وكان دخول المسيح اورشليم في يوم الأحد العاشر من نيسان لتطابق الحقيقة المثال، لأنه يجب أن خروف الفصح الذي هو الرامز ليسوع يفرز في اليوم العاشر من شهر نيسان القمري ليؤكل بعد خمسة أيام، (خر 12) فليس عبثا أن نرى يسوع حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم يفرز علانية في اليوم ذاته مع الأغنام الكثيرة الرامزة اليه، ثم يذبح على الصليب وقت ذبحها في الهيكل بعد خمسة أيام (عب 10).
لما دخل المسيح اورشليم ارتجت المدينة كلها، وهو كذلك حين يدخل بروحه الى نفس من نفوينا ينبغي أن ترتج ناهضة للصعود الى مستوى أفعاله وأفكاره.
ان حال اورشليم عند دخول المسيح اليها كحال قلب كل انسان، فالمدينة انقسمت، فيها من قبل ومن رفض، ولكن يسوع اعتبرها مدينة أبيه سواء قبلت أو رفضت، هكذا يتمسك يسوع بملكيته لكل قلوبنا وعندما يقف على أعتابها ينظر اليها كضيف أو كملاك لأن في كل قلب شيئا يقول له ادخل وشيئا يقول له اذهب، ولكن في وسط هذا الضجيج يسير يسوع سواء قبل أو رفض ويتقدم الى أعماق كل قلب لأنه هو هو وحده ملك القلب.
ان نفوسنا ملك له كما كانت اورشليم أيضا وهو يريد أن نقبله لنحتمي به كما كان يرغب أن تكون اورشليم كذلك ولكن لأنها رفضته فقد تركها ليكون بيتها خرابا، وهكذا فالقلب الذي لا يملك عليه يسوع يسمى قفرا مظلما، ان البيت الذي لا يقطنه سيده ويهجره الى مكان اخر لا يسكن فيه سوى البوم واغراب، وقلوبنا اذا خلت من ملكها فانها تصبح مرتعا طيبا لنسور الخطية ووحوش الأثم.
عند دخول السيد المسيح الى اورشليم فرحوا تلاميذه فرحاً عظيماً، على ان فرحهم هذا لا يذكر بالنسبة الى فرح وابتهاج شعبه في يوم مجيئه الثاني ليملك الملك الأبدي جهارا، لان فرح التلاميذ كان وقتيا زائلا وتحول بعد برهة قصيرة الى حزن وبكاء مر ولكن فرح المؤمنين في يوم مجيء سيدهم الأخير سيكون أبديا لا نهاية له ولا يشوبه حزن أو كدر، وحين يأتي يسوع بمجده وجلاله ويقيم ملكوته المجيد لا يجسر أحد أن يتفوه بكلمة على ملك الملوك بل (ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الاّب، في