موضوع: يوم الاثنين العظيم المقدس الإثنين أبريل 14, 2014 4:52 am
يوم الاثنين العظيم المقدس
بقلم الأسقف بولس يازجي
التينة غير المثمرة
"ولكنّه لم يجدْ عليها إلا الورق"
في يوم الاثنين العظيم تقيم الكنيسة تذكارات ثلاثة. تذكار يوسف العفيف، وتذكار التينة التي لعنها المسيح حين وجدها غير مثمرة، وتذكار مجيئه الثاني المجيد. للمسيح مجيئان ظافران، الأول عيَّدنا له صباح هذا الأحد، أي دخوله إلى أورشليم، والثاني نعيّد له في هذا المساء وهو مجيئه الأخير المجيد يوم الدينونة العامة بين المجيء الأول، الذي عيّدنا له صباحاً، والمجيء الثاني الذي نقيم تذكاره الآن، تضع لنا الكنيسة قصّة التينة التي جاء إليها يسوع جائعاً ولما لم يجد فيها ثماراً لعنها. هذه التينة تستحقّ فعلاً اللعنة. إنَّ كلّ إنسانٍ لا يستفيد من نعمة المجيء الأوّل للمسيح، ولا يستعدّ بالإثمار للمجيء الثاني، ينال المصير نفسه.
فها هم اليهود يعبِّرون عن المغزى من تصرف المسيح مع التينة. لذلك راحوا يتجادلون مع المسيح ويسألونه بأي سلطان يفعل هذا، رافضين توبيخه لهم. فأعطاهم يسوع على الفور المثل الذي سمعناه، مثل الكرَّامين. الله الآب، صاحب الكرم، سيَّجه واعتنى به وأسلمه إلى كرّامين ليعملوا فيه، وأرسل عبيداً ليأخذوا الأجر. ولم يكن نصيب ابنه يسوع الوارث بأفضل من سابقيه، لا بل أنهم قتلوه. لكن الكرم يُنـزَع منهم. وملكوت الله سيغتصبه آخرون، وأبناء الملكوت يُطرحونَ خارجاً.
الإثمار هو حقّ لله وليس فضيلة شخصيّة. ما دام الزرع الذي بذره الربّ صالحاً فإنَّ الثمر حقّ له أيضاً. الزرع هو كلمة الله وتعاليمه، وهو أيضاً ذبيحته وموته وقيامته. وهذا الزرع يجب أن يثمر. المحبّة والتواضع والإحسان… ليست بمزايا وفضائل نزيدها على حياتنا، وإنّما هي الثمار التي يستحقها الله الذي بذرها فينا. وسوف يسأل كلاًّ منَّا عنها. بين المجيئَين يمتدُّ وقت الأتعاب والإثمار.
هناك ثلاثة معايير يستطيع المسيحيّ بواسطتها أن يقيس ثمر التينة. ونحن بحاجة دائماً لفحص كهذا كي لا نسقط في الإيمان السطحي ونبقى كشجرة بأوراق دون ثمر. ما يهدّد العبادة هو العادة وما يفسد المسيحيّة هو السطحيّة، حين تتحول الالتزامات إلى اعتقادات، والحياة إلى مجرّد شعارات تقتل فيها التقوى الخارجيّة، أي التقوية، الإيمان.
المعيار الأول هو شخص المسيح. فلنسأل ذواتنا كلّ يوم: من هو المسيح بالنسبة لي، وما هو الحيِّز الذي يمتلكه في قلبي وحياتي؟ وبالمقابل من أنا بالنسبة إليه، هل أنا من أصدقائه، وكما يقول السلمي، أكلّمه في أذنه أم أنا من الحرس أراه من بعيد، أم من العموم أهتف به دون أن أراه؟ أين أنا من الرسالة التي أوكلها إليَّ؟ أني نور للعالم وملح للأرض ورسول حبِّه! في الصلاة غالباً، نستطيع امتحان هذه العلاقة. إذن عليَّ أن أصلي والصلاة تكشف لي ذلك، لا بل إنَّ الصلاة تبني لي تلك المعرفة بالربّ فتخلق وتجدِّد فيَّ تلك الرسالة.
والمعيار الثاني، هو المحبّة، أي علاقتي بالآخر. إنَّ غاية الأصوام، والأسهار، والصلوات، وكلّ الفضائل والجهادات الروحيّة، هي المحبّة. المحبّة ليست فضيلة، إنّما هي ثمر الفضائل. الفضائل هي أوراق التينة، والمحبّة هي الثمر. كلّ تلك من أجل هذه. المحبّة هي السعادة الحقيقيّة، إنّها حياة الفردوس. من لا يعرف المحبّة يحيا في الجحيم. لذلك إن حفْظ الوصايا وإنجاز الفضائل إذا لم يقودا إلى المحبّة وبالتالي إلى السعادة فهما باطلان. الفضائل باطلة دون محبّة. والجهاد دون محبّة فاسد، والأتعاب تذهب عبثاً.
كلّ جهاد الحياة المسيحيّة له غاية واحدة هي أن يحوِّل الإنسان ويطهِّره وينقّيه، أي أن يجعله يحبّ الناس بعد أن كان يحبّ ذاته. إذا لم يتحقّق ذلك فنحن تينة بأوراق ولكن بلا ثمر. أمَّا المعيار الثالث والأخير، فهو ثمار الروح. فالمسيحيّ الذي يتعب بالأصوام والأسهار ولا يشعر بزيارات الروح وافتقاد النعمة، عليه أن يعيد حساباته ويجدّد أسلوب جهاداته. ثمار الروح عدَّدها بولس الرسول: إنّها السّلام وطول الأناة والوداعة… داؤود النبيّ يقول: "في الحزن فرَّجتَ لي" رغم أن الربّ لم يرفع عنه الشدَّة. ذلك الفرج كان ندى النعمة وسط الشدَّة والألم والتجربة.
الأسبوع العظيم هو أهمّ فترة في السنة نعِيد فيها حساباتنا على ضوء هذه المعايير الثلاثة لنتعرف على ذواتنا فعلاً. الفصح ينتظرنا لنعبر فيه طالبين في التينة الثمر بدلاً من الأوراق. الصلوات الخشوعّية والأصوام تضعنا فعلاً في إطار معاينة وجه الربّ يسوع، وملاقاة وجه القريب في الحبّ، والتسامح، والغفران، وتستمطر ندى الروح الإلهيّ في خشوع القلب، وانكسار الروح والأعضاء.
فلنرهبْ يا إخوة من انتهار التينة التي يبست إذ لا ثمر فيها، ولنقرّب ثماراً بالتوبة للمسيح المانح إيانا الرحمة العظمى. أعود لأنَّك تنتظرني، أعود لأنّ سكب حبِّك قد جرحني.
رغدة نائب المدير العام
عدد المساهمات : 18519 تاريخ التسجيل : 10/01/2014 العمر : 51 الموقع : لبنان
موضوع: رد: يوم الاثنين العظيم المقدس الإثنين أبريل 14, 2014 9:07 am
زائر زائر
موضوع: رد: يوم الاثنين العظيم المقدس الثلاثاء أبريل 15, 2014 3:20 am
باركك الرب و شكرا لمرورك اختي رغدة
زائر زائر
موضوع: رد: يوم الاثنين العظيم المقدس الثلاثاء أبريل 15, 2014 3:34 pm
زائر زائر
موضوع: رد: يوم الاثنين العظيم المقدس الأربعاء أبريل 16, 2014 2:03 am