ذكرى مرور 100 عام على دمج الإمبراطورية البيزنطية الرهبانية في جبل آثوس إلى دولة اليونان
في جبل آثوس عشرون ديراً تتبعها الأساقيط و القلّايات و الصوامع.
يعيش فيها الرهبان حياة شركة أو توحُّد.و تدير شؤون الجبل أربع سلطات:
السلطة التشرعية(و تتألف من عشرين عضواً هم رؤساء الأديار,
يجتمعون مرَّتين في العام في كارييس عاصمة الجبل المقدَّس لاتِّخاذ القرارات و القواعد).
السلطة الإدارية(يقوم بها عشرون مندوباً عن كل دير,يُنتخبون في الأول من كانون الثاني
و تستمر ولايتهم سنة واحدة يقيمون خلالها في كارييس)
السلطة القضائية (تمارسها إدارة كل دير و اللجنة العليا للأديار
إضافةً إلى المجمع المسكونيِّ المقدَّس في الفنار,اسطنبول و المحاكم المدنية في تسالونيك.)
السلطة التنفيذية (مناطة بلجنة مؤلَّفة من أربعة أعضاء
وذلك حسب توزيع الأديرة إلى خمس مجموعات في كلّ واحدة أربعة أديرة.
من بين هولاء يُنتخب البروتوس PROTOS.
الإمبراطورية البيزنطية حكومة دينية مسيحية مستقلة
لم يكن الحفاظ على هذا الحكم الذاتي و على هذه الاستقلالية التامة سهلاً دائماً
لذلك صون الأديارر تطلَّب دبلوماسيةً و ذكاء ماهرَين من قبل الرهبان.
أختيرا شبه الجزيرة الآثوسية أصلاً كموقع خلوةٍ للرهبان و المتوحدين بسبب موقعها الجغرافيِّ المنيع,
حيث يتعذر الوصولُ إليها.فهي تمتدُّ على مسافة ثلاثين ميلاً في بحر إإيجيه الشمالي,
جنوب شرق مدينة تسالونيكي, و تعزلها عن باقي
الأراضي اليونانية جبالٌ وعرةٌ منيعةٌ و شريطٌ ساحليٌ قاسَ.
بخلاف أكثر أجزاء اليونان الساحليَّة,لاتتمتع شبه الجزيرة الآثوسية بموانئ طبيعية,
مما جعلها هدفاً غير جذَّاب للغزاة و الزوَّار غير المرغوب فيهم
و بالرغم من ذلك تعرَّضت الأديار عبر العصور للسلب,من قبل القراصنة المجازفين
و الصليبيّن المغيرين و جيوشٍ مهاجمة أخرى.لهذا السبب ,
وللحفاظ على إستقلالية الجبل المقدَّس و هدوئه,
شُيِّدت الأديار على شكل قلاعٍ حصينة على قمم الجبال أو على شفا المنحدرات الشديدة.
الإمبراطورية البيزنطية, دبلوماسية الرهبان الحكيمة في جبل آثوس
عندما سقطت تسالونيكي,ثاني أهم مدينة في الأمبروطورية البيزنطية,
في يد الأتراك العثمانيين في لالقرن الخامس عشر,أدرك الرهبان آنذاك,أن سقوط القسطنطنية,
هو مسألة وقت فقط.لذا ,ولأجل حماية الأديار من غزوِ الجيوش التركية الشيك,
ذهب بروتوس جبل آثوس بصحبة وفدً من الرهبان ممثلٌ عن كلِّ الأديار الى تسالونيكي
لتقديم استلامهم الرسمي و للتعبير عن ولائهم للباشا التركي.قدَّر الباشا استسلامهم
و أظهر استحسانه لهذه الخطوة الحكيمة التي أقدم عليها الرهبان,فلم يغزوُ الجبل المقدَّس
و ترك الرهبان يُديرون شؤونهم الخاصة.لذلك بقية الروحانية الآثوسية مصنة
و لم تتعرض لأي أذى على مدار السنوات الأربعمائة إبَّان حكم العثمانيين.
أثناء الحرب العالمية الثانية,عندما غزا الألمان اليونان,تخوف الرهبان على مصير جبل آثوس,
حينذاك,أرسل البروتوس رسالة مباشرة إلى هتلر طالباً منه وضع جبل آثوس تحت حمايته الشخصية.
تأثر هتر كثيراً بهذه المبادرة الإطرائية و أمر جنرالاته ألاَّ يتدخلوا في حياة الرهبان في جبل آثوس,
إلا أن الأديرة كلَّها لم تتعرض لأي أذىً طيلة فترة الإحتلال النازي الوحشي لليونان.
وإبَّان تلك الفترة العصيبة وجدت العديدات من النساء اليونانيات اليهوديات الأصل,
مأوًى لهن و لأطفالهنَّ في جبل آثوس المقدس,إذ خفاهم الآباء الآثوسيون
طوال مدّة الحكم النازي.وبقيامهم بذلك, انتهكوا تحريماَ ساد
منذ القرن الحادي عشر يمنع دخول النساء إلى شبه الجزيرة الآثوسية.
ويقال إنَّ ذلك الإستثناء كان الأوحد في تاريخ شبه الجزيرة.
مرَّةً أخرى هددت سلامة الجبل المقدس
و استقلاليته عندما وقعت اليونان أسيرة حكم دكتاتوريِّ عسكري
و ذلك من عام ١٩٦٧ إلى عام ١٩٧٤.فقد شاع في أوائل السبعينيات
أنَّ ا لحكومة تفكِّر في تحويل بعض الأديار شبه المهجورة إلى كازينوهات و ملاه ليليِّة.
إرتعب الآباء.إنماءٌ سياحيٌّ كهذا كان سيؤدي حتماً الى دمار جبل آثوس مع كلِّ كنوزه الروحيَّة.
إنَّ عملاً كهذا سيكون أيضاً انتهاكاً صارخاً للدستور البيزنطيِّ الذي,بناءً عليه,
أُسِّسَ جبل آثوس في القرن التاسع كمكان خلوةٍ للرهبان و النسَّاك من مختلف الإثنيات,
ذي استقلالية تامة. ولاحتواء المشكلة,بعث بروتوس جبل آثوس برسالة إلى ليونيد بريجنيف,
أمين عام الحزب الشيوعيِّ للإتحاد السوفياتيِّ آنذاك, يحُثُّه للتدخل نيابة عن الجبل المقدَّس.
حينئذ التزم برجنيف بإرسال رسالة صارمةٍ إلى القادة اليونانيِّين
مُحذراً من نتائج وخيمةٍإذا ما تدخَّلت الدولة اليونانية منتهكةً أمن جبل آثوس الداخليّ,
و التي يقتصرُ دورها على حراسته.
مرةً أخرى نجت إستقلالية الجبل المقدَّس.
ألا أدام الله رهبانها و نُسَّاكها داءماً حُرَّاساً
لإرثٍ مُنحَ لنا من فوق, فكان مدماكاً من مداميك الكنيسة الجامعة و بركةً تشُّعُ منها نور القداسة