جبل آثوس
في أواخر الألفية الأولى، أسس القديس أثناسيوس (5 تمّوز) الحياة الرهبانية في جبل آثوس،
وهو شبه جزيرة في شمالي اليونان،
فبُني عشرون ديرًا مستقلّ الواحد عن الآخر حسب النظام الأرثوذكسي
يعيشون حياة صلاة ونسك
(لا يأكلون لحمًا أبدًا).
وللأديرة إدارة مركزية مؤلفة من مندوبي الأديرة.
الى جانب هذه الديورة صوامع مستقلّة يختلي فيها راهب او أكثر.
جزيرة مشجّرة كلها ولا سيما بشجر الكستناء
الذي يصنع الرهبان منه ما يحتاجون اليه من خشبيات كالأبواب وغيرها.
يفيقون ساعتين او ثلاثا بعد منتصف الليل ويؤدّون الخِدَم الإلهية طويلة واقفين
في أداء موسيقيّ صحيح. وبعد صلوات الصباح وصلاة الغروب يتناولون وجبتين من الطعام،
ويذهب كل واحد الى عمله: عمل يدويّ، فلاحة، دراسات لاهوتية.
من حيث الجنسية، العنصر اليوناني سائد،
ولكن هناك ثلاثة أديرة مؤلفة من الروسيين والصرب والبلغار،
وهناك بعض الآخرين اعتنقوا الأرثوذكسية وهم من أصول مختلفة.
إلى جانب الخدَم الإلهية يستقبلون حجاجًا من الرجال ويقدمون لهم ضيافة
ويعيشون في الأديرة الجميلة جدا وهي تختلف بهندستها.
ألوان الجدران الخارجية مختلفة
والقباب الكبيرة والصغيرة تعلو السطوح. إلى جانب الكنيسة الرئيسية،
في كل دير كنائس صغرى (4 أو 5 أو أكثر)
يذهب اليها الرهبان عند انتهاء صلاة السحَر لإقامة القداس الإلهي.
صوَر القديسين في كل مكان ولا سيما أيقونة والدة الإله شفيعة هذه الجزيرة.
كل قاعات الطعام جدرانها مليئة بالأيقونات الجدارية وكأنك تأكل في حضرة القديسين.
إلى هذا المكان ذهبنا أنا ومطران اوربا السيد يوحنا (يازجي) ومطران طرابلس السيد أفرام (كرياكوس)
وكل منا معه مرافق. وكنا ننتقل من دير الى آخر بالسيارة على طرقات ترابية.
كنا نتخاطب باللغة اليونانية مباشرة او بالترجمة، وأقمنا القداس الإلهيّ بالعربية،
ورافقَنا طلاب لاهوت أنطاكيّون كانوا يسهّلون لنا التواصل.
كان الرهبان يكرمون المطارنة الأنطاكيين تكريمًا كبيرًا من حيث الاستقبال في كنيسة كل دير بحفاوة نادرة.
الاتصال اللغوي كان صعبًا ولكن اتصال القلوب كان سهلا وقويًا.
يبدو أن أنطاكية لها مقام خاص عندهم، والشرق بعامّة يحرّك قلوبهم.
نحن استلمنا نعمة فوق نعمة وأحسسنا أن كل من كان قادرًا أن يسافر الى اليونان
لا بد له أن يزور الجبل المقدس لأنه متعة لا بعدها متعة،
فإذا كانت الطبيعة جميلة جدا فالتقوى أجمل.
مركز للعبادة الأرثوذكسية استثنائيّ القوة والإلهام.
لا تعود انت من هذا التجمّع الرهبانيّ العظيم إلا غنيًّا بما ينزل عليك
من بركات التقوى الظاهرة أمام عينيك.