الإيمان بالله أن تُسلم نفسك إليه، أن تُسلم أمرك إليه.
فإذا لم تعتمد في أمورك عليه، إذا لم تترك له مجالاً ليعينك فكيف تكون مؤمناً به؟
من هنا بركة الفقير في المسيح، الفقير الذي اختار بملء إرادته،
أن يفتقر لأجل الله،
أي الذي تخلّى عما لديه ليجعل نفسه ومصيره وخبزه ويومه وغده وحياته بين يدي الله الحيّ.
كيف يختبر الإنسان عمل الله في حياته إذا ما كان يرغب في أن يأخذ مصيره بيديه هو؟
لماذا لا نشعر بأنّ الله حاضر وفاعل فيما بيننا؟ لأنّنا لا نؤمن به،
لا نسلمه أمرنا، لا نكتفي بالاهتمام بما يدعونا هو إلى الاهتمام به.
ليس الله مقصّراً عن إظهار نفسه لكل مَن يلتجئون إليه.
ولكن ما دمنا نتغاضى عنه بعدم تصديقنا لكلامه، بعدم إيماننا به،
بعدم تسليمنا أنفسنا إليه فكيف نراه؟ كيف يتراءى لنا؟
الله أقرب إلينا من حبل الوريد. "إن آمنتِ ترين مجد الله" (يو 11: 40).
"إن آمنتِ"!
بدون إيمان كيف يرى الإنسان مجد الله، نوره، أي كيف يراه كما هو؟ مستحيل!
إذا كنت لا تعاين النور المحسوس ما لم تفتح عينيك،
فكيف تعاين نور الله غير المحسوس إنْ لم تفتح قلبك بالإيمان، بالتوبة، بالصلاة؟
ليس الله هو الغائب الأكبر بين الناس بل الناس هم الذين يغيّبونه بإعراضهم عنه. الله ليس جسداً.
الله روح.
والروح لكي يظهر بحاجة إلى تغيير في الكيان، في الموقف الداخلي، في القلب.
ما لم تخرج من نفسك، من إيمانك بنفسك، من اعتمادك على نفسك،
من عبادتك لنفسك فكيف تبصر الله؟ "لذلك اخرجوا من وسطهم واعتزلوا يقول الربّ
ولا تمسّوا نجساً فأقبلكم وأكون لكم أباً وأنتم تكونون لي بنين وبنات
يقول الربّ القادر على كل شيء" (2 كو 6: 17 – 18).
أخرجوا من وسط الأفكار التي تجعلكم تعبدون أنفسكم أوثاناً.
اعتزلوا تعلّقكم بأنفسكم ومشيئاتكم الخاصة.
لا تلتزموا موقفاً نجساً يبعدكم عن الله.
فإن فعلتم تجدوا الربّ الإله ماثلاً أمامكم.
ليس لأنّكم تشتاقون أنتم إليه وحسب بل لأنّه هو مشتاق إليكم بالأكثر.
ليس فرح في السماء يداني الفرح بخاطئ واحد يتوب، بشارد واحد يعود إلى ربّه،
بإنسان واحد يؤمن. ساعة تتيقّن أنّ الله حيّ وتسلك بإزائه هكذا يمثل أمامك.
وهو ماثل أمامك في كل حال. فقط متى خرجت من ذاتيتك فتح عينيك عليه
كما فتح أعين بطرس ويوحنا ويعقوب على لاهوته في ثابور.
الله، يسوع، ماثل عند الباب يدقّ.
فمَن يفتح له بإيمان، بتسليم، بمودّة، يدخل إليه ويتعشّى معه!
يصير عشيراً له! الله أقرب إلينا مما نتصوّر!
الأرشمندريت توما (بيطار)