"أريدُ للكلّ أن يَخلُصوا"
على الرغم من الصباح الباكر جداً في يوم القيامة فقد حُمِلتْ الأنباء الطيّبة إلى كلّ الخليقة. الملائكة أخبرت في السماء (مرقس 16: 6) وحاملات الطيب على الأرض (لوقا 24: 9) وحتّى الحرّاس نقلوا خبر المعجزة إلى المجمع اليهوديّ الذي حكم على يسوع بالموت (متى 28: 11). كان الرسل لا يزالون في حالة من الخوف والشكّ، فهم مختبئون خلف الأبواب المقفلة "لسبب الخوف من اليهود" (يوحنا 20: 19).
شكّ التلاميذ ليس مستغرباً، لأنّهم كانوا شاهدين على أعظم معجزة في تاريخ الخلق. فالبشر قتلوا الله، ثمّ قام من بين الأموات، وحفظ الجنسَ البشريَّ من الموت في الجحيم. بعد اعتقال المعلّم، نَسِيَ الرّسلُ كلّ ما قاله لهم الربّ من النبوءات حول موته وقيامته، فلم يصدّقوا المعجزة التي حدثت مع حاملات الطيب (مرقس 16: 11، لوقا 24: 11). وحتّى خلال حديثهم مع القائم من بين الأموات وجهاً لوجه، فقد تردّدوا في الوثوق (لوقا 24: 25) بهذه المعجزة التي كانت تحرق وتُلهب قلوبهم خلال وجود الله معهم (لوقا 24: 32).
هذا العجب الذي لا يمكن تصديقه (لوقا 24: 41)، بالإضافة إلى الضعف البشري، وعدم القدرة على استيعاب حجم المعجزة التي وقعت، كلّ هذا ينعكس على كلمات الرسول توما "إن لم أبصر في يديه أثر المسامير، وأضع إصبعي في أثر المسامير، وأضع يدي في جنبه لا أؤمن" (يوحنا 20: 25).
غالباً ما يشير الناس إلى توما على أنه المُشكِّك، بدون الأخذ بعين الإعتبار عمق وذروة "شكّ" الرسول القديس. دعونا نلقي نظرة بعناية أكثر إلى هذا التلميذ.
هل كان شكُّه كَشَكِّ اليهود الذين صرخوا ليصلبوا المخلّص؟ "فلينزل الآن عن الصليب فنؤمن به". (متى 27: 42)
هل شَكُّهُ كان كَشكِّ الشعب المُعاصر الذي عند كلّ مصيبة يسأل أين الله: "إن كان هناك إله، فليُظهر نفسه للكلّ، فنؤمن به".. "أين كان الله عندما حَلَّتْ هذه الكارثة؟ "لماذا الله لا يساعدني في مصيبتي؟".
الكتبة والفريسيّون عَلِموا بكلّ معجزات المسيح، وعلى ما يبدو أنهم قدَّروا مَن هو يسوع الجليليّ حقيقةً. لكنّهم في كلّ مرّةٍ كانوا يواجهون الإلهيّات، كانوا يصبحون أكثر تجذُّراً بالتجديف. بعد أن وجدوا أنّ المسيح شفى مَن هو منذ مولده أعمى، بدل رفع الصلوات والحمد لله قاموا بالشتم. "هذا الإنسان خاطئ" (يوحنا 9: 24) "في الخطايا وُلدتَ أنت بجملتك" (يوحنا 9: 34).
بعد أن سمعوا أنّ المسيح أقام ميتاً ذا أربعة أيّام قد أنتن في القبر، وعلى ما يبدو، لم توجد لهم شكوك حول ألوهيّة المسيح، فتشاوروا "ليقتلوا لعازر" (يوحنا 12: 10). أخيراً بعد أن واجهوا المسيح فعليّاً من خلال معجزة القيامة وسمعوا روايات شهود العيان أي الحرّاس (متى 28: 11) الذين ارتعدوا خوفاً "وصاروا كالأموات" (متى 28: 4) عند مشاهدتهم الملاك الذي دحرج الحجر وكان منظره كالبرق، بالرغم من كلّ ذلك، قرّر شيوخ المجمع أن يعطوا الحرّاسَ رشوةً ليخدعوا الناس، وذلك ليُزاد كُفرُهم على تجديفهم.
لكنّ القدّيس توما لم يكن مثلهم. نعرف إيمانه وإخلاصه لِمعلّمِه. بعد اتّباعِ المخلّص لثلاث سنين، فَهِمَ توما جيّداً المَخاطر التي واجهت المسيح من قبَلِ الكَتَبَةِ والفرّيسيّين. التلاميذ الآخرون فهموا هذا الأمر أيضًا. لهذا السبب عندما قرّر المسيح الذهاب إلى أورشليم، حاول تلاميذه أن يحذّروه من الخطر (يوحنا 11: 8).
لكنّ القدّيس توما قال "لنذهب نحن أيضًا لكي نموت معه"(يوحنا 11: 16).
وهل يمكن لِمُشَكِّكٍ أن يتكلّم هكذا؟
في ذلك اليوم بعد الفصح بأسبوع، عندما أتى الرّبّ إلى التلاميذ وكان معهم توما، كان الرسول بحاجة فقط إلى خطوة واحدة ليدرك مَن هو معلّمُه حقيقةً" الذي أحبّه توما بِتَفانٍ وكرّس حياته له واستشهد في سبيل الكرازة به. فمِن أجل خلاص توما أتى المسيح إليه وأظهر له نفسه وتحمَّل لمس جراحاته. فالمسيح في سبيل خلاص البشر احتمل الآلام، الهزء، التعذيب والموت ولمس جراحاته بعد قيامته. المسيح أتى إلى التلاميذ والأبواب مغلقة، وهو مستعدّ ليدخل قلوبنا. ولكن ماذا سيسمع عندما سيدخل إلى قلوبنا؟ هل سيسمع مِنّا كلمات "ربّي وإلهي"؟ أم كلمات الهزء، السخرية وعدم الاكتراث؟
هل سنعبده كما فعل توما، أم سنصلبه بسبب عدم توبتنا، ونرجمه بصخور وحجارة خطايانا؟
فيا ربّ، بصلوات القدّيس الرسول توما هلمّ إلينا وادخُلْ قلوبنا. أعطنا الإيمان "أعِنْ عدَمَ إيماننا" (مرقس : 9: 24) آمين.