همسات روحيه

همسات روحية
لنيافة الأنبا رافائيل

ذبيحة التسبيح - الجزء الثاني

قوموا يا بني النور


تبدأ التسبحة اليومية بقطعة "قوموا يا بني النور"، تُوقظنا بها الكنيسة لنقوم من النوم في منتصف الليل لنُشارك الملائكة والقديسين في تسبيح رب القوات إلهنا العظيم.

ولهذه القطعة لحن جميل، يبدأ بطريقة هادئة تليق بوقار وهدوء وسكون الليل، ثم ترتفع نغمات اللحن بالتدريج، ليجعل جماعة المُسبِّحين في يقظة روحية وانتباه ذهني يليق بالوقوف في حضرة الله. دعونا الآن نهتف مع الكنيسة لنُوقظ بعضنا بعضًا قائلين:

"قوموا يا بني النور لنُسبِّح ربَّ القوات، لكي ينعم علينا بخلاص نفوسنا،

عندما نقف أمامك جسديًا. انزع عن عقولنا نوم الغفلة.

أعطنا يا رب يقظة، لكي نفهم كيف نقف أمامك وقت الصلاة،

ونُرسل لكَ إلى فوق التمجيد اللائق،

ونفوز بغفران خطايانا الكثيرة"

والآن دعونا نتأمل قليلاً في كلمات هذه الصلاة العميقة المُقدَّسة، لنأخذ منها لأنفسنا دروسًا روحية ولاهوتية.

أولاً: التسبيح والخلاص

تُنبِّهنا الكنيسة المُقدَّسة في بداية التسبحة اليومية أن نقوم من نومنا لنشترك في خدمة التسبيح بهذه العبارة: "قوموا يا بني النور لنُسبِّح ربَّ القوات، لكي ينعم علينا بخلاص نفوسنا". وهذه العبارة تُنبِّه ذهننا إلى أن التسبيح مُرتبط بخلاصنا.

فنحن نُسبِّح الله لكي ينعم علينا بخلاص نفوسنا، وأيضًا عندما نتمتع بخلاص الله تنفك عقدة لساننا، فتنطلق أفواهنا بالتسبيح الدائم والفرح.. فالعلاقة بين ممارسة التسبيح ونوال الخلاص، علاقة متبادلة تُذكِّرنا بما قاله السيد المسيح عن المرأة الخاطئة ساكبة الطيب: "قد غُفِرَتْ خطاياها الكثيرَةُ، لأنَّها أحَبَّتْ كثيرًا. والذي يُغفَرُ لهُ قَليلٌ يُحِبُّ قَليلاً" (لو47:7).

لقد شرح هنا السيد المسيح أن العلاقة بين الحب والغفران هي علاقة طردية متبادلة. فكلما كثُر الغفران كثُر الحب، وكلما أكثرنا الحب أكثر الله لنا الغفران، والغفران هو الخلاص، والحب هو التسبيح.

X معنى الخلاص وكيف نقتنيه

ونحن نُسبِّح الله بحب، فيغفر لنا خطايانا، ويُخلِّصنا بنعمته، فنزداد حبًا له وامتنانًا، فينطلق لساننا بمزيد من التسبيح والفرح وكثير جدًّا من الحب. ولكن نحن نعلم أن:

(1) الخلاص هو بدم المسيح فقط:

& لأنه "بدونِ سفكِ دَمٍ لا تحصُلُ مَغفِرَةٌ!" (عب22:9).

& "وليس بأحَدٍ غَيرِهِ الخَلاصُ. لأنْ ليس اسمٌ آخَرُ تحتَ السماءِ، قد أُعطيَ بَينَ الناسِ، بهِ يَنبَغي أنْ نَخلُصَ" (أع12:4).

(2) الإيمان بقيمة دم المسيح شرط أساسي للخلاص:

& "لأنَّهُ هكذا أحَبَّ اللهُ العالَمَ حتَّى بَذَلَ ابنَهُ الوَحيدَ، لكَيْ لا يَهلِكَ كُلُّ مَنْ يؤمِنُ بهِ، بل تكونُ لهُ الحياةُ الأبديَّةُ. لأنَّهُ لم يُرسِلِ اللهُ ابنَهُ إلَى العالَمِ ليَدينَ العالَمَ، بل ليَخلُصَ بهِ العالَمُ. الذي يؤمِنُ بهِ لا يُدانُ، والذي لا يؤمِنُ قد دينَ، لأنَّهُ لم يؤمِنْ باسمِ ابنِ اللهِ الوَحيدِ" (يو16:3-18).

& "الذي يؤمِنُ بالاِبنِ لهُ حياةٌ أبديَّةٌ، والذي لا يؤمِنُ بالاِبنِ لن يَرَى حياةً بل يَمكُثُ علَيهِ غَضَبُ اللهِ" (يو36:3).

(3) المعمودية شرط لقبول الخلاص باعتبارها موت ودفن وقيامة مع المسيح:

فغير المُعمَّدين يُعتبرون موعوظين إلى أن ينالوا نعمة المعمودية فيصيرون بعدئذٍ مُؤمنين، ولذلك لا يُعتبر الإيمان بالمسيح إيمانًا حقيقيًا قبل أن يعتمد الإنسان باسم المسيح ..

& "الحَقَّ الحَقَّ أقولُ لكَ: إنْ كانَ أحَدٌ لا يولَدُ مِنْ فوقُ لا يَقدِرُ أنْ يَرَى ملكوتَ اللهِ" (يو3:3).

& "الحَقَّ الحَقَّ أقولُ لكَ: إنْ كانَ أحَدٌ لا يولَدُ مِنَ الماءِ والرّوحِ لا يَقدِرُ أنْ يَدخُلَ ملكوتَ اللهِ" (يو5:3).

& "مَنْ آمَنَ واعتَمَدَ خَلَصَ" (مر16:16) .. لأن المعمودية هي شركة حقيقية في موت المسيح ودفنه .. "مَدفونينَ معهُ في المَعموديَّةِ، التي فيها أُقِمتُمْ أيضًا معهُ بإيمانِ عَمَلِ اللهِ، الذي أقامَهُ مِنَ الأمواتِ" (كو12:2).

فالمعمودية تحوِّل إيماننا بقيمة دم المسيح من مجرد التصديق إلى الشركة العملية.. "مع المَسيحِ صُلِبتُ، فأحيا لا أنا، بل المَسيحُ يَحيا فيَّ. فما أحياهُ الآنَ في الجَسَدِ، فإنَّما أحياهُ في الإيمانِ، إيمانِ ابنِ اللهِ، الذي أحَبَّني وأسلَمَ نَفسَهُ لأجلي" (غل20:2).

(4) الخلاص يحتاج شركة التناول من جسد الرب ودمه الأقدسين:

& "الحَقَّ الحَقَّ أقولُ لكُمْ: إنْ لم تأكُلوا جَسَدَ ابنِ الإنسانِ وتشرَبوا دَمَهُ، فليس لكُمْ حياةٌ فيكُم. مَنْ يأكُلُ جَسَدي ويَشرَبُ دَمي فلهُ حياةٌ أبديَّةٌ، وأنا أُقيمُهُ في اليومِ الأخيرِ، لأنَّ جَسَدي مأكلٌ حَقٌّ ودَمي مَشرَبٌ حَقٌّ. مَنْ يأكُلْ جَسَدي ويَشرَبْ دَمي يَثبُتْ فيَّ وأنا فيهِ. كما أرسَلَني الآبُ الحَيُّ، وأنا حَيٌّ بالآبِ، فمَنْ يأكُلني فهو يَحيا بي" (يو53:6-57).

والسؤال الآن ..

ما دام الخلاص هو بالإيمان والمعمودية والتناول من جسد الرب ودمه .. فكيف إذًا يكون التسبيح وسيلة لنوال الخلاص