الطبيب الوحيد
القديس انطونيوس
انطونيوس الي ابنائه الاعزاءحقا يا أبنائي, ان الحب الذي بيني وبينكم ليس حبا جسديا لكنه حب روحاني الهي.ولهذا السبب لا أمل من الصلاة لالهي ليلا ونهارا من أجلكم, كي تتمكنوا من معرفة النعمة التي قد عملها الله من نحوكم. لأنه ليس في وقت واحد فقط افتقد الله خلائقه
لكن منذ بداية العالم وضع الله ترتيبا لكل خلائقه, وهو في كل جيل يوقظ كل شخص بواسطة فرص عديدة وبواسطة النعمة. والآن يا أبنائي لا تهملوا الصراخ الي الله ليلا ونهارا لتستعطفوا صلاح الآب,
وهو في سخائه ونعمته سوف يهبكم معونة من السماء معلما اياكم, لكي تدركوا ما هو صالح لكم.
حقا يا أبنائي اننا نسكن في موتنا, ونمكث في منزل اللص, ونحن مكبلون برباطات الموت,
فالآن اذا, لا تعطوا نعاسا لعيونكم ولا نوما لأجفانكم (مز 132: 4) , حتي تقدموا أنفسكم ذبيحة لله في كل قداسة لكيما تروه, لأنه بدون قداسة لا يستطيع أحد أن يري الرب كما يقول الرسول (عب12 : 14) حقيقة يا أحبائي في الرب, لتكن هذه الكلمة واضحة لكم. وهي أن تفعلوا الصلاح وهكذا تنعشون القديسين وتعطون بهجة للطغمات الملائكية في خدمتهم, وفرحا لمجئ يسوع,
لأنهم لا يكفون عن التعب في خدمتنا حتي هذه الساعة, وانا ايضا الفقير البائس الساكن في جسد من تراب ستمنحون فرحا لروحي.
حقا يا أولادي ان مرضنا وحالتنا الوضيعة هي سبب حزن لجميع القديسين. وهم يبكون وينوحون لأجلنا أمام خالق الكل, ولهذا السبب يغضب الله من أعمالنا الشريرة بسبب تنهدات القديسين,
وأيضا فان تقدمنا في البر يعطي فرحا لجموع القديسين, وهذا يجعلهم يرفعون صلوات أكثر بابتهاج وتهليل عظيم أمام خالقنا. وهو نفسه خالق الجميع, يفرح بأعمالنا بشهادة قديسيه ويمنحنا مواهب نعمته بلا كيل.
لذلك عليكم ان تعرفوا ان الله يحب خلائقه بصورة دائمة, لأنه خلقهم بجوهر خالد, وقد رأي الله كيف ان الطبيعة العاقلة انحدرت كلية الي الهاوية, وماتت بالكلية, وان ناموس العهد الذي فيهم قد جف وتوقف.
ومن صلاحه افتقد البشرية بواسطة موسي. وأسس موسي بيت الحق وأراد ان يشفي الجرح العظيم وأن يرجعهم الي الاتحاد الأول,
ولكنه لم يستطع ان يفعل هذا فابتعد عنهم. ثم أيضا جوقة الأنبياء الذين بنوا علي أساس موسي ولم يستطيعوا ان يشفوا الجرح العظيم الذي لأعضائهم.
ولما رأوا أن قواهم خارت اجتمع أيضا شعوب القديسين بنفس واحدة وقدموا صلاة أمام خالقهم قائلين:
- أَلَيْسَ بَلَسَانٌ فِي جِلْعَادَ فَلِمَاذَا لَمْ تُعْصَبْ بِنْتُ شَعْبِي
(ار 8: 22)
- دَاوَيْنَا بَابِلَ فَلَمْ تُشْفَ. دَعُوهَا وَلْنَذْهَبْ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى أَرْضِهِ
(ار 51: 9)
وجميع القديسين طلبوا صلاح الآب لكي يرسل ابنه الوحيد, لأنه ان لم يأت بنفسه هنا فان احدا من كل الخلائق لم يكن يستطيع ان يشفي جرح البشر العظيم.
من أجل هذا تكلم الآب في صلاحه قائلا :
- وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ فَهَيِّئْ لِنَفْسِكَ (حز 12: 3)
واذهب الي الأسر بارادتك. ان الآب لم يشفق علي ابنه الوحيد بل بذله لأجل خلاصنا اجمعين(رو 8: 32)
- مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا وَبِحُبُرِه (جلداته)ِ شُفِينَا (اش 53: 5)
وهو قد جمعنا من كل أطراف العالم صانعا لقلوبنا قيامة من الأرضيات معلما ايانا
- أَنَّنَا بَعْضَنَا أَعْضَاءُ الْبَعْضِ (اف 4: 25)
كونوا حريصين يا أبنائي لئلا تنطبق علينا كلمة بولس بأن لنا صورة التقوي ولكننا ننكر قوتها (2تي 3: 5) والآن ليمزق كل واحد منكم قلبه أمام الله ويبكي أمامه قائلا
- مَاذَا أَرُدُّ لِلرَّبِّ مِنْ أَجْلِ كُلِّ حَسَنَاتِهِ لِي
(مز 116: 12)
وانني اخشي أيضا يا أولادي لئلا تنطبق علينا هذه الآية
- مَا الْفَائِدَةُ مِنْ دَمِي إِذَا نَزَلْتُ إِلَى الْحُفْرَةِ (مز 30: 9)
حقا يا أبنائي انني أتحدث اليكم كما الي حكماء لكي تفهموا كل ما أقوله لكم وهذا ما أشهد به لكم: ان من لا يبغض كل ما يختص بالمقتنيات الأرضية ويزهدها مع كل أعمالها من كل قلبه ويبسط يدي قلبه الي السماء الي أب الكل فلن يستطيع أن يخلص,
اما ذا تمم ما قلته لكم فان الله يتراءف علي تعبه ويمنحه ناره غير المرئية التي ستحرق كل الشوائب منه, وسف تتطهر روحنا,
وعندئذ سيسكن فينا الروح القدس ويمكث يسوع معنا, وهكذا سنكون قادرين ان نسجد للآب كما يحق, لكن ان بقينا متصالحين مع طبائع العالم, فاننا نكون أعداء لله ولملائكته ولجميع قديسيه.
والآن يا أحبائي أتوسل اليكم باسم ربنا يسوع المسيح, ألا تهملوا خلاصكم وألا تحرمكم هذه الحياة السريعة الزوال من الحياة الأبدية, ولا يحرمكم هذا الجسد الفاسد من مملكة النور التي لا تحد ولا توصف,
ولا هذا الكرسي الهالك أن ينزلكم عن كراسي محفل الملائكة, حقا يا أبنائي ان قلبي مندهش وروحي متعبة, لأننا أُعطينا الحرية ان نختار وأن نعمل أعمال القديسين,
ولكننا قد سكرنا بالأهواء والشهوات كالسكاري بالخمر لأن كل واحد منا قد باع نفسه بمحض ارادته وقد صرنا مستعبدين باختيارنا,
ونحن لا نريد أن نرفع عيوننا الي السماء لنطلب مجد السماء, وعمل كل القديسين, ولا أن نسير في اثر خطواتهم.
لذلك افهموا الآن أنه سواء أكانت السماء المقدسة أو الملائكة أو رؤساء الملائكة أو العروش أو السلاطين أو الشاروبيم أو السيرافيم أو الشمس أو القمر أو النجوم أو البطاركة أو الأنبياء أو السرل أو ابليس أو الشيطان أو الأرواح الشريرة أو قوات الهواء أو (بدون أن نقول أكثر) سواء رجل او امرأة كل هؤلاء في بدء خلقتهم نشأوا من مصدر واحد كلهم, وهو الثالوث كلي القداسة الآب والابن والروح القدس.
وبسبب سلوك بعضهم الشرير صار من الضروري أن يعطي الله أسماء لكل نوع منهم طبقا لأعمالهم. وأولئك الذين تقدموا كثيرا أعطاهم مجدا فائقا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
+ تُرجم النص بواسطة L. Bouyer و Fr. Derwas Chitty عن الترجمة اللاتينية في مجموعة الآباء باليونانية طبعة Migne
+ تمت مقارنة الترجمة الانجليزية لـ Fr. Derwas Chitty بالترجمة العربية القديمة المترجمة عن القبطية
+ قام بالترجمة العربية أخوة وأخوات من ?التكريس البتولي بمشاركة الدكتور جورج بباوي في المراجعة
+ تم نشر النص العربي مطبوع بواسطة المركز الأرثوذوكسي للدرسات الآبائية
المصدر : مدونة كتابات الآباء القديسين