الحرّيّة في المسيح.
بقلم مادونا عسكر
يقول القدّيس أغسطينوس: " جلستُ على قمّة العالم حينما أحسستُ في نفسي أنّي لا أخاف شيئاً، ولا أشتهي شيئاً". إنّها ذروة التّخلّي عن كلّ شيء في سبيل الوصول إلى الحرّيّة الكاملة. فالخوف يعيق طريق الإنسان نحو الحرّيّة فيبقى رهينة لما يخاف منه أو لمن يخاف منه.
والشّهوة إذا ما سيطرت على الإنسان تأسره وتستعبده وتنزع عنه الحرّيّة الّتي منحه إيّاها الله. وما يمنحنا إيّاه الله لا يمكن لأحد أن يسلبنا إيّاه إلّا بقرار منّا، يمعنى آخر نحن من نتخلّى عن حرّيتنا ولا نحافظ عليها إذا ما امتلكنا الخوف وأسرتنا الشّهوة.
منحنا الله الحريّة بيسوع المسيح، " إن حرّركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً." ( يو 36:8)، وبالتّالي كلّ حرّيّة خارجة عن المسيح لا تكون حرّيّة بل تخبّط في مفاهيم وأفكار وقلق
مستديم في البحث عن الحقّ، واختلال داخليّ في النّفس الإنسانيّة. فالحرّيّة الحقّة هي عدم الخضوع للخطيئة، والانجرار إليها، والثّورة على الكبرياء المتغلغل في أعماقنا بالاتّضاع، حتّى نسمح للرّبّ أن يملأها. " الحق الحق أقول لكم: إن كل من يعمل الخطيئة هو عبد للخطيئة." ( يو 34:8). والخطيئة واحدة، هي الكبرياء الإنسانيّ الّذي به نرفض المشيئة الإلهيّة.
وكلّ ما ينتج عن هذا الكبرياء يسيء إلى الإنسان وإلى الله السّاكن فيه. متى تخلّى الإنسان عن كبريائه واعتبار نفسه محور العالم، جلس على قمّته. ومتى حسب الإنسان كلّ أمر عالميّ فانٍ ولا يستحقّ العناء لمجرّد أنّه لا يحقّق صورة الله فيه، جلس على قمّة العالم.
المسيح رفع عنّا الخطيئة وأعاد إلينا صورة بهائه فكيف نسمح لأيّ أحد أو لأيّ شيء أن يستعبدنا؟\
فلا فكر، ولا فعل، ولا سلوك، ولا شكّ، ولا علم، ولا فلسفة، ولا خطر، ولا قوّة، يمكن أن تسلب منّا الحرّيّة الّتي حرّرنا بها يسوع المسيح.
كان على أيّام القديس باسيليوس الكبير إمبراطور أريوسي، وجاءوا يهدِّدونه وقالوا له: " سوف يسجنك الإمبراطور"، فردَّ عليهم: " يمكنه أن يسجن جسدي، ولكنّه لا يستطيع أن يسجن فكري".
قالوا: " يمكنه أن يُصادر أموالك"، فردَّ: " أنا راهب لا أملك شيئاً يُصادره". قالوا له: " يمكنه أن ينفيك خارج البلاد"، قال لهم: " لا يستطيع أن ينفيني إلى أرض لا يوجد فيها الله".
بهذا المنطق عاش آباءنا القدّيسين، منطق حرّيّة المسيح، لأنّهم وثقوا أنّ المسيح غلب العالم بحرّيّته. ونحن أيضاً مدعوّون لأن نحافظ على هذه الحرّيّة، حاسبين أنّ كلّ ما هو خارج عن المسيح عبوديّة.
نحن من عرفنا المسيح، عرفنا الحقّ والحقّ يحرّرنا، فلا يجوز بعد أن يستعبدنا أيّ شيء لأنّ كلمة الرّبّ فينا سلام لا يمكن لأحد أن يسلبه منّا.
تشجّعوا، لأنّ الرّبّ قريب.