أنت ابن الله، أنت صورته ومثاله
لقداسة البابا شنودة الثالث
أنت -يا أخي- صورة الله. فهكذا قال الكتاب في قصة الخلق "وقال الله نعمل الإنسان علي صورتنا كشبهنا.. فخلق الله الإنسان علي صورته. علي صورة الله خلقه" (تك 1: 26،27). فإذا كنت أنت صورة الله وشبهه، فكيف تخطئ؟! هل إذا تدنست بالخطية تظل محتفظًا بصورتك الإلهية؟! كلا، طبعًا. إذ لا يمكن أن يراك إنسان في النجاسة والسقوط ويقول "هذا صورة الله"..! لذلك فإن القديس أثناسيوس الرسولي في كتابه "تجسد الكلمة"، يقرر أن الإنسان عندما سقط، تشوه، وفقد صورته الإلهية. وأتي السيد المسيح ليعيد إلينا صورتنا الأصلية.. لو عرفت أيها الأخ صورة اله لا يمكن أن تخطئ..
ولو عرفت أنك ابن الله، فلن تخطئ كذلك، لأن الابن يجب أن يشبه أباه..
ما أسهل أن نفتخر افتخارًا باطلًا ونقول إننا أولاد الله، وأعمالنا لا تدل علي ذلك.. كما كان اليهود يفتخرون باطلًا بأنهم أولاد إبراهيم، وأخجل الرب كبرياءهم بقوله "لو كنتم أولاد إبراهيم، لكنتم تعملون أعمال إبراهيم" (يو 8: 39). فإن كان أولاد إبراهيم يجب أن يعلموا أعمال إبراهيم، فكم يجب أن يكون أولاد الله الذين علي صورته ومثاله..؟
هل نحن كأولاد لله، حتى ندعي أولادة؟
ما أسهل أن نخاطب الله في صلواتنا قائلين "أبانا الذي في السموات"، ونحن لا نسلك كبنين لذلك الأب السماوي!! تذكر يا أخي باستمرار أنك ابن الله، واسلك في حياة البر حتى تستحق أن تدعي ابنًا لذلك البار، واضعًا أمام عينيك قول الكتاب "إن علمتم أنه بار هو، فاعلموا أن كل من يصنع البر مولود منه" (1 يو 2: 29). فاعلموا أن كل من يصنع البر مولود منه" (1 يو 2: 29). إذن إن كنت لا تصنع البر، فلست تستحق أن تدعي ابنًا لله.. أخاف أن تكون عبارة "أولاد الله" سبب تبكيت لنا، ههنا وفي اليوم الأخير.. من أجل هذا يشرح لنا القديس يوحنا الرسول هذا الأمر فيقول "أيها الأولاد، لا يضلكم أحد. من يفعل البر فهو بار كما أن ذاك بار. من يفعل الخطية فهو من إبليس من البدء يخطئ" (1 يو 3: 7، 8)، أي أن من يفعل الخطية، هو ابن للشيطان، هو من إبليس وليس من إله.. يا للهول! ثم يسجل لنا الرسول قاعدة جوهرية يقول فيها:
"كل من هو مولود من الله لا يفعل الخطية، لأن زرعه يثبت فيه. ولا يستطيع أن يخطئ لأنه مولود من الله" (1 يو 3: 9). بهذا المقياس يمكنك أن تقيس أيها الأخ نفسك عندما تقول إنك إبن الله وهكذا فإن الرسول يختم كلامه بقوله "بهذا أولاد الله ظاهرون، وأولاد إبليس (ظاهرون).." (1 يو 3: 10).
إن شعورك بأنك ابن لله، يذكرك بالطبيعة السامية التي وضعها الله فيك، والتي عناها الرسول، بقوله عن المولود من الله أن "زرعه يثبت فيه". لذلك قال أيضًا "المولود من الله يحفظ نفسه، والشرير لا يمسه" (1 يو 5: 18).
ففي كل مرة تخطئ، ينبغي أن تنسحق في أعماقك، شاعرًا انك غير مستحق للقلب ابن الله.
لذلك فإن الكنيسة المقدسة تجعل المصلي يقول للرب كل يوم في صلاة الغروب "أخطأت إلي السموات وقدامك، ولست مستحقًا أن أدعي لك ابنًا". ولماذا "لست مستحقًا إن أدعي لك ابنًا"..؟ لأني أخطأت، والمولود من الله لا يخطئ..
لابد أن نفهم جيدًا المعني العملي لبنوتنا لله.. ندخل إلي أعماق هذا اللقب. ونسأل أنفسنا في كل عمل نعمله، وفي كل كلمه نقولها، وفي كل فكر نرضي به.. هل نحن نعمل ونتكلم ونفكر، كما يليق بأولاد الله..؟ إن بنوتنا لله ليست مجرد لقب. وإنما يجب أن نسلك بما تتطلبه هذه البنوة من مشابهة الابن لأبيه..
إن "الله روح" (يو 4: 24). "والمولود من الروح هو روح (يو 3: 6). فإن كنت أيها الأخ إنسانًا جسدانيًا، تسلك حسب الجسد وليس حسب الروح، فكيف تكون ابنًا لله الذي هو روح؟! وكيف تكون مولودًا من الروح..؟
إن الذي يعيش في الخطية، لا يستطيع مطلقًا أن يقول إنه ابن الله، بل لا يستطيع أن يدعي أنه يعرف الله، مجرد معرفه.. وهذا يوضحه الرسول في عبارته المخيفة التي يقول فيها:
"كل من خطئ، لم يبصره ولا عرفه" (1 يو 3: 6).. لأنه "من قال قد عرفته -وهو لا يحفظ وصاياه- فهو كاذب وليس الحق فيه" (1 يو 2: 4) هل في حياة الخطية يمكنك أن تقول: أنا أعرف الله؟! كلا، إنه يجيبك ويقول: اذهب عني، لا أنا أعرفك، ولا أنت تعرفني..
لذلك يا أخي، إن تذكرت انك ابن الله، فينبغي أن تسلك كما يليق بالدعوة التي دعيت إليها (أف 4: 1). أسلك مثله، في طريقة "كما سلك ذاك تسلك أنت أيضًا" (1 يو 2: 6). كما عاش المسيح علي الأرض، تعيش أنت.. في ملء القداسة، في ملء الطهارة في ملء البركة.. لأنه ترك لك مثالًا تحتذيه (يو 13: 15) أما أن عشت في الخطية، فتأكد في أعماقك انك لا تستحق البتة لله، لأن صورة أولاد الله ليست هكذا..
وفي كل مرة تقول له "أبانا الذي في السموات"، ينبغي أن يوبخك ضميرك، وتنسحق في داخلك، وتقول له: إن كان من تواضعك يا رب من محبتك، قد دعوتني ابنًا لك.. إلا أنني بأعمالي برهنت علي أنني لا أستحق أن أدعي لك ابنًا.. اجعلني كأحد أجرائك.. إن أبوتك لي -وإن كانت تشرفني جدًا- إلا أنها تستحقني سحقًا، وتشعرني بالفارق الكبير بين ما أنا كائن فيه وما ينبغي أن أكونه.