الصّمت عن الكلام أزيد للأفادة

عزيزى القارىء :
قد يبدو لك هذا العنوان غريب فى موضعه ، عجيب الأمر ، غامض الخطب ، فبمجرد النظر اليه من الممكن أن يدور فى خلجات نفسك سؤال :
ترى كيف يكون عدم الكلام إفادة ؟ وهل الصمت عن الإفادة أزيد للإفادة ؟
" نعم " فالصمت سكوت والسكوت عدم كلام والكلام جمل وعدم الكلام هو حذف يقع فى تلك الجمل ، بمعنى أنك ترى من خلال سياق الكلام الحذف قد يفيدك فى إيجاد معنى إضافيا لا يستفاد عند الذكر وحينئذ يؤثر المتكلم الحذف على الذكر لسبب أو أسباب ، فإذا تحقق فى الكلام قرينة فإنها تجلو عوارضها معبرة عن المحذوف وليس فى المقام ما يرجح ذكره ، فإن تعمدت الذكر دون غرض بلاغى فهذا يوقعك فى حشو ولغو فى الحديث لا طائل منه فالاخرى صون الكلام عن ذلك وهذا ما عبر عنه علماء البلاغة باسم " الحذف " فهم يرون زيادة على ذلك أن الحذف يثير الانتباه وبلغت النظر فيشرك المتلقى فى الرسالة الموجهة اليه ، كقولك لمن يسألك من أنت ؟ : " فلان " ،والأصل أن تقول " أنا فلان " ولكن ذكرك لضمير المتكلم " أنا " هنا لا طائل لانعدام الغرض البلاغى منه بلهو لغو فى الكلام والأفصح " الحذف " ، كذلك انظر إلى قول الشاعر :
حليمٌ كريمٌ ذو أناة وأربة
بصيرٌ إذا كفة الحبل جرت

والتقدير هو " هو حليم ، هو كريم ، وهو ذو أناة ، وهو بصير "
" فالحذف باب دقيق المسلك عجيب الأمر سبيه بالسحر فانك ترى به ترك الذكر أفصح من الذكر ، والصمت عن الإفادة أزيد للإفادة ، وتجدك أنطق ما تكون إذا لم تنطق وأتم ما تكون بياناً إذا لم تبن " .