روى القديس يوحنا, الذي كان ينسك في القرن الرابع
بالقرب من مدينة ليكوبوليس في مصر
بأن كان هناك في منطقته شابٌ معروفٌ بسبب شروره وآثامه.
ذات مرة, أناره الله, فتاب وقرر أن يحبس نفسه في قبرٍ
كي يبكي على خطاياه. كان يبكي بخشوعٍ ويقرع جبهته بالأرض
مُعرِضاً عن الطعام ولا يتجاسر أن يذكر اسم الله.
قضى أسبوعاً على هذا الحال. فالشياطين لما كانت
منزعجة لأجل تبدُّله, ظهرت له ذات يوم صارخة وقائلة:
_ ماذا تفعل هنا أيها العادم الخجل؟ الآن وقد شبعتَ من كل نجاسةٍ
تُريد مزاولة الخير والفضيلة؟ باطلاً تتعب.
الدينونة الأبدية تنتظرك. أسرع كي تفرح هنا قليلاً على الأقل
فيما بقي لك من حياة. الزانيات ينتظرنَّك.
لماذا تقعد هنا؟ تعال معنا. أنت مِلكٌ لنا. تعال.
كانت الشياطين تقول له هذه الأشياء وما يشبهها.
ولكن ذاك بقي غير متزعزع, من دون أن يجاوبها.
فهجمت عليه من شرّها بكل جنون.
اختطفته عنوةً وأخذت تقطع له لحمه.
وتركته في نهاية الأمر نصف ميتٍ ورحلت.
وفي اليوم التالي عثر عليه بعض أقاربه, الذين لما رأوا حالته
أشفقوا عليه. و أرادوا أن يأخذوه معهم لكي يطبّبوا له جروحه
ولكنه رفضَ الذهاب معهم, وكان هؤلاء يصرُّون
على أخذه معهم وهو يصرُّ على الرفض.
وفي الليلة التالية هاجمته الشياطين مرة أخرى.
ضربته بقوة أكبر هذه المرة. ولكنّ ذاك صبَرَ على كل ذلك وهو يشكر الله.
وكان يقول لاحقاً لأقاربه الذين عادوا ليأخذوه مجدّداً:
الأفضل لي أن أموت على أن أعود إلى حياتي السابقة.
وفي الليلة التالية شارفت نفس الشاب على الخروج منه
لأن الشياطين قامت بهجومها الأخير ضدَّه.
هجمت عليه بسلسلة وعذَّبته بدون رحمة.
ولكن حين شاهدته ثابتاً على عزمه, تركته
نصف ميتٍ وهي تعترف خازيةً: غلبتَنا, غلبتَنا !
ومنذ ذاك اليوم لم يقترف ذاك الشابُ شرّاً.
عاش حياةً نقيةً جداً يرعى توبته و بلغَ إلى قامةٍ عالية في الفضيلة.