إخفاء الفضائل
لقداسة البابا شنودة الثالث
طالما فضائلك ظاهرة أمام الناس، فأنت عرضة للمديح.. فإن أردت أن تهرب من مديحهم، عليك بقدر إمكانك أن تخفى فضائلك وأعمالك الحسنة. ليس معنى هذا أنك لا تعمل شيئًا حسنًا أمام الناس. وإنما لا تعمل أمامهم بهدف أن تنال مديحهم. فإن كان العمل ضروريًا ولا يمكنك إخفاءه عن الناس، فعلى الأقل لا يكون هدفك وقصدك هو محبة المديح، بل عمل الخير ذاته.
وقد تعرض القديس أوغسطينوس لهذه المسألة في تفسيره للعظة على الجبل:
يقول الرب "احترزوا من أن تصنعوا صدقتكم قدام الناس لكي ينظروكم، وإلا فليس لكم أجر عند أبيكم الذي في السموات" (مت 6: 1). ويقول أيضًا "فليضئ نوركم هكذا قدام الناس، لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات" (مت5: 16). فهل يوجد تناقض بين القولين؟ وكيف نوفق بينهما؟
يقول القديس أوغسطينوس في هذا الموضوع "ليس هناك تناقض. لأن العيب ليس في أن ينظر الناس أعمالكم الحسنة. إنما العيب هو أن تعملوا الأعمال الحسنة لكي ينظروكم.
فينبغي عليك أن تعمل الخير سواء نظرك الناس أو لم ينظروك. لا يكن هدفك أن يراك الناس وأنت تعمل الخير، ولا أن يمدحوك. بل اعمل الصالح، لا لكي تتمجد أنت به، بل لكي يتمجد الله "لكى يمجدوا أباكم الذي في السموات".
يقول البعض إنهم يعملون الصلاح لكي يكونوا قدوة أمام الناس.
ولكن علينا أن نفهم أن للقدوة مواضع، وأناس مفروض فيهم بحكم موضعهم أن يكونوا قدوة. مثل رجال الإكليروس والقادة والمسئولين والرسل والأنبياء والرعاة. فهؤلاء إن لم يكونوا قدوة، سيعثرون الآخرين.
أما الإنسان المتواضع، فإنه لا يرى في نفسه شيئًا يقتدي به الناس.
ويحاول أن يهرب من مواقف القدوة بحجة أنه خاطئ وضعيف. وعلى عكس هذا يُظهر نقائصه وضعفاته. ومع ذلك قد يصبح قدوة باتضاعه..
وكلما حاربه الفكر أن يكون قدوة، يقول لنفسه: لا أستطيع أن أكون مرائيًا، أظهر بغير حقيقتي. ويصرخ أمام الله قائلًا: أنت تعرف يا رب ما بداخل القبور المبيضة من عظام نتنة. إن كنت أنت برحمتك قد سترتني، وأخفيت عيوبي عن الآخرين، هل استغل أنا هذا الستر، لأمثل دور القدوة؟! بينما أنا إنسان خاطئ بعيد عن حياة البر!!
أما الذي يريد أن يصير قدوة، فلكي يظهر أمام الناس حسنًا يجوز أن يقع في الكبرياء والرياء. فيجب أن نرضى الله لا الناس.
فلا يكن هدفنا أن نكون قدوة، حتى لو صرنا قدوة بتدبير من الله. هكذا كان الآباء القديسون يتركون تدبير أمر معين في الفضيلة إذ اشتهر عنهم ويعملون غيره، إذ كانوا يهربون جدًا من المديح، . ولكن ليس معنى هذا أن تترك كل تدبير حسن تسير فيه لئلا يأتيك المديح بسببه، بل اثبت في كل تدريب صالح من أجل نموك الروحي وليس لكي ينظرك الناس.