نعمة الزواج
- سرّ المسيح والكنيسة
عندما يتحدَّث الكتاب المقدّس عن الزواج يشبِّهه بزواج المسيح بالكنيسة، ويربطه دوماً برباط المسيح والكنيسة. فيقول بولس الرسول: "إن الرجل رأس المرأة كما أن المسيح رأس الكنيسة التي هي جسده وهو مخلِّصها. وكما تخضع الكنيسة للمسيح فلتخضع النساء لأزواجهن في كل شيء. أيها الرجال أحبوا نساءكم كما أحب المسيح الكنيسة وضحّى بنفسه من أجلها ليقدِّسها ويطهِّرها بماء الاستحمام وبما يتلى من الكلام ويزفها إلى نفسه كنيسة سنّية لا شائبة فيها ولا تغضن ولا ما أشبه ذلك، بل مقدّسة بلا عيب. وكذلك يجب على الرجال أن يحبّوا نساءهم حبهم لأجسادهم. مَن أحبّ امرأته أحب نفسه. فما من أحد يبغض جسده، بل يغذّيه ويعنى به شأن المسيح بالكنيسة.... أن هذا السرّ لعظيم، وأعني به سرّ المسيح والكنيسة" (أفسس 5: 22-32).
وهكذا يغدو الرباط الطبيعي بين الرجل والمرأة "سرّاً عظيماً"، لأن نموذجه هو الرباط بين المسيح والكنيسة. وفيه يتجاوز الإنسان نفسه، ويزول طابع الأنانية والفردية من حياته، وتنقله المحبة الزوجية إلى داخل الوحدة من جديد لذا يقول القديس يوحنا الذهبي الفم أن الرجل والمرأة "ظنّا أنهما منذ البدء اثنان، فانظر كيف اجتمعا مجدَّداً وأصبحا واحداً بواسطة الزواج".
وهكذا يعود الإنسان إلى وحدة الرجل والمرأة التي ستكتمل في ملكوت الله، حيث لا يكون فيما بعد "لا ذكر ولا أنثى" بل يكون الجميع "واحداً في المسيح يسوع" (غلا3: 28)، "كالملائكة في السماء" (متى23: 30، مر 12: 25، لو20: 36). وهذه الحقيقة يتذوّقها الإنسان المسيحي فعلياً في سرّ الشكر، حيث يتّحد الجميع في جسد المسيح الواحد: الكنيسة.
الأطر الإفخارستية للسرّ المقدّس
إذا علمنا أن سرّ الشكر هو تذوّق مسبق للملكوت ولوحدة شعب الله النهائية نستطيع أن ندرك لماذا رُبط الزواج المسيحي في الكنيسة الأولى بسرّ الشكر الإلهي، ولماذا يكون سرّ الشكر الإلهي الشرط الأساسي لسرّ الزواج المقدّس. فقد أتى المسيح إلى عرس قانا الجليل، وهناك حقّق أولى معجزاته بتحويل الماء إلى خمر. فلم يكتفِ بقبول فرح العرس ومباركة حقيقة الزواج، بل رمز بمعجزته إلى سرّ الشكر الإلهي، أي تحويل الخمر إلى دمه والخبز إلى جسده، فأدخل بذلك الرباط الزوجي إلى داخل جسد الكنيسة.
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: "عندما يتّحد اثنان بواسطة الزواج فإنهما لا يظهران فيما بعد كشيء أرضي بل كصورة الله نفسه". وفي مكان آخر يشبِّه الزواج المسيحي بـ "كنيسة صغرى". فالإنسان مدعو إلى أن يحيا بزواجه المسيحي "في شركة مع المسيح"، أي "مع المسيح والكنيسة" (أف5: 32). والمسيح حاضر دائماً مع الأزواج المسيحيين، حسب وعده أنه كلّما اجتمع اثنان باسمه يكون بينهما.
وهكذا نفهم لماذا يعتبر أحد آباء الكنيسة أن الزواج هو "بيت الله"، ولماذا يعلن لاهوتي معاصر أن ثلاثة "يتزوجّون" في سرّ الزواج: العريس والعروس والمسيح، والمقصود طبعاً الزواج "في الرب" (1كو7: 39).
ـ- الزواج خارج الكنيسة
يظهر بجلاء أن ثمة فرقاً شاسعاً بين الإتحاد الطبيعي لشخصين خارج الكنيسة وبين سرّ الزواج المقدّس. فالرباط الزوجي خارج الكنيسة يحصل بحسب ناموس الطبيعة، وخاصة طبيعة السقوط والفساد. والأمر نفسه يسري على ربط معنى الزواج بالأهداف الاجتماعية أو بالمسألة الديموغرافية. ففي جميع هذه الحالات لا يمكن أن يتجاوز الزواج حقيقة الموت، لذلك لا يمكن اعتباره سرّاً مقدّساً.
أمّا الزواج المسيحي الحاصل في الكنيسة بمباركة الله، فإنه يحوز كمال محبة الأزواج، وتكون هذه المحبة معناه الأوّل وهدفه النهائي، لذلك فإنها لا تتوقّف بالموت، بل تستمر إلى الأبد. وعلى حدّ تعبير القديس إغناطيوس: "كل ما تفعلونه حسب الجسد، فليكن روحياً، لأنكم تفعلون كل شيء بالمسيح يسوع"، أي أن الزواج المُقام في الكنيسة يكون روحياً، بما في ذلك الوحدة الجسدية