بعـض التساؤلات
عـن سـرّ الثالـوث الأقـدس
ما معنى كلمة أقـنوم؟
في اللاهوت المسيحيّ نقول إنَّ " الله واحد في ثلاثة أقانيم ". فما معنى " أقنوم "؟ إن كلمة " أقـنوم
" تعنى شخصًا. فنقول إنَّ الآب أقنوم والابن أقنوم والروح القدس أقنوم. لماذا لا نستخدم كلمة "
شخص " ونقول إن الله واحد في ثلاثة أشخاص؟ لقد رفضت الكنيسة استخدام كلمة " شخص "، لأنَّ
هذه الكلمة قد توحي لبعض الناس بكائن بشريّ له حدوده وشكله وملامحه. فتحاشيًا لكلّ تصوّر خاطئ
ولكلّ تحديد للأثسخاص الإلهيّة، لجأت الكنيسة إلى كلمة غير عربيّة، مصدرها سريانيّ. وقد استخدمت
كلمة أقنوم في اللاهوت المسيحيّ للإشارة إلى الأشخاص الإلهيّة الثلاثة. وهى لا تستخدم فى أي مجال
آخر غير هذا المجال.
أين صورة الثالوث في الطبيعة والمخلوقات ؟
أي عمل فنّيّ يُعَبّر عن دواخل الذي أنجزه حتى إنّه، من خلال دراسة عمله، يمكننا أنْ نستشف طباع
الفنان وشخصيته. فهل طبع الله في الكون والإنسان ملاح كيانه الداخلي؟ وبمعنى آخر، هل من الممكن
أنْ نستشف من خلال الخلق صورة الثالوث؟.
حين نتحدّث عن الثالوث، نلجأ عادة إلى تشبيهات معيّنة كالمثلث الذي هو صورة هندسيّة واحدة ذات
ثلاثة أضلاع متساوية. أو نشبَّه الثالوث أيضًا بنبتة البرسيم التي تتكوّن من ثلاثة أوراق أو بإصبع
واحد ذي ثلاث سلاميَّات. أو نشبّه الثالوث بعقل الإنسان الذي يتمتع بثلاث طاقات: الذكاء والذاكرة
والمخيلة. أو نقول إنَّه كالشمس التي هي ضوء وحرارة وقرص.
بالحقيقة أكره تمامًا كل هذه التشبيهات لأنّها تشوّه مفهوم الثالوث، وهي غير مقنعة للعقل على
الإطلاق.
فهناك تعبير أراه أفضل وأنسب وهو عبارة عن ثلاث شمعات مشتعلة نقرِّب بعضها من بعض، حتّى
تصبح شعلة واحدة، ثمّ نفصل بعضها عن بعض حتّى نبيّن أنّ لكل شمعة شعلتها الخاصّة. ولكن، حتى
هذا التعبير هو غير كافٍ، لأنّ الأقانيم الثلاثة لا تقبل الانفصال، وإنْ فصلناها تتحوّل إلى ثلاثة آلهة.
ولكن ألم يطبع الله في المادّة ذاتها صورته؟ والذي يدرس الفيزياء يعلم أنَّ داخل الذرة شحنة موجبة
وأخرى سالبة وبينهما طاقة. هذا بالنسبة إلىَّ أقرب صورة وأحسنها للثالوث، إذْ إنَّها تمثل الثالوث
بقطبَين متميِّزَين تربطهما طاقة.
نميل عادة إلى تشبيه الثالوث بثلاثة عناصر، في حين يجب أنْ نبحث عنه في شكل عنصرين مرتبطين
معًا بعنصر آخر غير منظور على هيئة طاقة. وهذه الطاقة هي الروح، لأنَّ الروح هو عنصر الترابط
والوحدة في الكون، وليس هو عنصرًا ثالثًا نضيفه إلى العنصرين السابقين. إنه وحدة العناصر.
الإنسان أجمل صورة للثالوث وأصدقها
وجدنا إذًا على مستوى المادّة صورة للثالوث. ونجدها أيضًا على مستوى جسد الإنسان. فهناك عينان
وبصر واحد، أذنان وسمع واحد، رجلان وسير واحد، ذراعان وعناق واحد، رئتان ونفس واحد... إلخ.
كلّ هذا يعني أنّ الإنسان، حتّى في جسده، خُلق على صورة الله على شكل ثنائيّة موحّـدة.
ولكن هناك تشبيه أفضل على مستوى الحبّ البشريّ وفى العلاقة القائمة بين الرجل والمرأة: هما ثنائيّة
موحّدة يكوّنان كلاهما جسدًا واحدًا. إنّ هذا أقرب صورة وأعمقها وأجملها لكيان الله.
لذلك، بعد ما قال الكتاب المقدّس إنَّ الإنسان خُلق على صورة الله وكمثاله يُضيف: " على صورة الله
خلقه، ذكرًا وأنثى خلقهم " (تكوين 1/27)، مستعملاً تارة صيغة المفرد وتارة أخرى صيغة الجمع.
وبهذا يريد أنْ يُبَيّن أنَّ هذا الجمع هو مفرد وأنَّ هذا المفرد هو جمع وأنَّ الإنسان، بعلاقته مع المرأة،
يكوّن وحدة لا تتجزَّأ: فيكونان كلاهما جسدًا واحدًا... فما جمعه الله لا يفرّقه إنسان (تكوين
2/24ومتّى 19/5-6).