النعمة فى الإيمان المسيحى
النعمة فيض إلهى مُنسكب على الإنسان العائش فى الإيمان الحق. والنعمة فى الإيمان المسيحى هى عطية هدفها استعلان الحق الذى فى المسيح، لأن المسيح هو ملء الحق الإلهى الموهوب للإنسان مجاناً. وأول ما عرفنا النعمة، عرفناها فى شخص المسيح الذى يقول عنه القديس يوحنا : "والكلمة صار جسداً وحل بيننا، ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملوء نعمة وحقاً" (يو14:1).
وأول ما عرف الإنسان ملء النعمة، عرفها وهى مُنسكبة على العذراء القديسة مريم لما حملت بالكلمة، إذ أعلن الملاك لها : "السلام لكِ يا ممتلئة نعمة" (لو28:1). فلما أحسَّت العذراء هذا الملء الإلهى من قِبَل الله صرخت مُعلنة : "لأن القدير صنع بىّ عظائم... فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبنى" (لو 1 : 48و49).
وهكذا، فبالإيمان بالمسيح نال الإنسان ملء النعمة والحق، وتأهَّل الإنسان بالإيمان بالمسيح أن أن يبلغ ملء قامة المسيح. وهذه العطية المُنسكبَة على الذين يؤمنون حقاً بالمسيح عبَّر عنها المسيح قائلاً : "أنا قد أعطيتُهم المجد الذى أعطيتَنى" (يو22:17). لذلك فإن غاية النعمة التى نلناها فى المسيح هى أن نكون شركاء مجده. وهكذا فإننا بالإيمان الحق بالمسيح، ننال فيض النعمة الذى يؤهِّلنا لنكون شركاء فى مجد المسيح ومؤهَّلين أن نستعلن مجده : "أيها الآب، أُريد أن هؤلاء الذين أعطيتَنى يكونون معى حيث أكون أنا، لينظروا مجدى الذى أعطيتَنى" (يو24:17).
وملء المسيح بالنعمة أُعطى أن ينسكب علينا : "ومن ملئه نحن جميعاً أخذنا، ونعمة فوق نعمة" (يو16:1)، أى نعمة غير متناهية، فهو ملء أبدى، وقد جعل الآب السماوى أنه بمجرد أن نؤمن ونعترف باسم المسيح نكون فى استحقاق انسكاب النعمة علينا : "الذى به، لأجل اسمه، قَبِلنا نعمة ورسالة، لإطاعة الإيمان فى جميع الأمم" (رو5:1).
فأرجو من القارئ أن يقف ملياً عند قوله : "الذى به، لأجل اسمه، قَبِلنا نعمة" (رو5:1). هذا هو اسم المسيح الذى يخشى الضعفاء فى الإيمان النُطق به، مع أنه سرﹲ قوة الإيمان الذى نجاهر به. فالنعمة تنسكب على كل مَن يُنادى به، إذا ما وقعنا فى ضيقة أو تعيير باسم المسيح. وبولس الرسول جعل الرحمة والنعمة والعون الإلهى لكل مَن يتقدم بثقة إلى المسيح : "فلنتقدَّم بثقة إلى عرش النعمة لكى ننال رحمة ونجد نعمة عوناً فى حينه" (عب16:4)، ويُلاحَظ هنا أن بولس الرسول يرى أن عرش النعمة، لأن منه تخرج كل مراحم الله.
على أن قوى النعمة المسكوبة من عرش المسيح لها فاعلية التكفير والتبرير : "متبرِّرين مجاناً بنعمته، بالفداء الذى بيسوع المسيح" (رو24:3).
ونعمة المسيح هى من نصيب الضعفاء المتمسكين بإيمان المسيح، وهى بحدِّ ذاتها قوة كاملة : "تكفيك نعمتى، لأن قوتى فى الضعف تُكمَل" (2كو9:12). لذلك فإن صراخ الضعفاء حتى ولو كانوا من خارج الكنيسة يجتذب النعمة، فنحن نعرف قصة "جولشان" الباكستانية التى ظلت تصرخ إلى "عيسى بن مريم" (حسب تعبيرها) ثلاث سنوات. فجاءها بنفسه وعرَّفها بنفسه أنه يسوع المسيح، وشفاها من حالة شَلَل ميئوس منه، وقال لها : "قومى". فقامت صحيحة، وسجدت له، وتم فيها بالفعل القول : "قوتى فى الضعف تُكمَل". وهذا هو الضعيف المِلحاح، الذى لم يكفَّ عن الصراخ ثلاث سنوات.
ونعمة المسيح، كما قلنا، تبرِّر الإنسان الطالبَ مراحمَ الله، والمسيح يهتم جداً بالذين يترجَّون نعمته، لأنه عالم أنه رجاء للحياة : "ولكن حين ظهر لُطف مُخلِّصنا الله وإحسانه، لا بأعمال فى برِّ عملناها نحن، بل بمقتضى رحمته خلَّصَنا بغسل الميلاد الثانى وتجديد الروح القدس، الذى سَكَبه بغنى علينا بيسوع المسيح مخلِّصنا، حتى إذا تبرَّرنا بنعمته، نصير ورثة حسب رجاء الحياة الأبدية" (تى 3 : 4 – 7).
ابونا متى المسكين
25 مايو 2005