من كتاب
"رؤية أرثوذكسية في تفسير سفر الرؤيا"
للمطران/ نقولا
في قول يوحنا:
"وَجَعَلَنَا مُلُوكاً وَكَهَنَةً لِلّٰهِ أَبِيهِ، لَهُ ٱلْمَجْدُ وَٱلسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ. آمِينَ"
رؤيا (6:1)
التفسير:
في الآية (6) يقول يوحنا:
"وجعلنا ملوكًا وكهنةً لله أبيه".
في العهد القديم يقول الرب لموسى في بني إسرائيل:
"هكذا تقول لبيت يعقوب وتخبر بني إسرائيل...
وأنتم تكونون لي مملكة كهنة وأمة مقدسة" (خر 3:19-6)،
لكنهم لأجل عدم إيمانهم بيسوع المسيح وصلبهم له فقد حُرموا مواهب الله
التي كانوا قد حصلوا عليها قبلًا التي هي: "المُلك" و"الكهنوت" و"النبوة"،
وانتقل هذا الوعد إلى المؤمنين بيسوع المسيح، الذين أحبهم وحرَّرهم من خطاياهم بدمه،
وأصبحوا كلهم كهنةً لله الآب.
في قول يوحنا عن يسوع المسيح:
"له المجد والسلطان إلى أبد الآبدين"،
يوجد تسبيح. و"المجد" و"السلطان" يخصَّان الله الآب،
كما يخصَّان يسوع المسيح ليس الآن فقط بل "إلى أبد الآبدين".
كلمة "آبدين" هي جمع كلمة "أبد".
ثم يختم يوحنا الآية (6) بقوله: "آمين". كلمة "آمين" هي عبرية الأصل،
وهي "אמן"، ومعناها "حقًّا"، أي حقًّا هكذا سيكون بلا شك ولا محالة، كما سبق القول.
وقد كُتبت هذه الكلمة هنا في النص اليوناني كما تكتب بالعبرية لكن بحروف يونانية "ἀμήν"،
كما كُتبت أيضًا في الترجمة العربية بحروف عربية "آمين".
في الآية (6) كما في (الآية 5)
توجد خلفية ضد الإمبراطوريات الأرضية المقاومة للمسيح
والممثلة في الإمبراطور دومتيانوس، بقول يوحنا إن
"المجد والسلطان" هما ليسوع المسيح،
لأنه في اللغة اللاتينية (الرومانية) كلمة "سلطان" قريبة من كلمة
"إمبراطورية"، فالذي له "المجد" و"الإمبراطورية" هو يسوع المسيح
"رئيس ملوك الأرض"،
وليس الإمبراطور الروماني دومتيانوس مضطهد الكنيسة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يجب الخلط بين كهنوت يسوع المسيح ابن الله الحقيقي
الذي يتأصل في كيانه نفسه ويجعل منه الوسيط المثالي وبين كهنوت الشعب المسيحي.
لأن يسوع المسيح هو في الوقت نفسه إنسان حقيقي وابن الله الحقيقي.
فيسوع يظهر كاهنًا بتقدمة ذبيحته وبخدمة الكلمة، بصفته الكاهن الأوحد والأبدي
الذي قرب ذاته ذبيحتةً مرةً واحدةً في الزمن، ذبيحةً مثاليةً عملاً كهنوتيًا بكامل المعنى.
أما الشعب المسيحي فلا يمكنه أن ينادي الله الآب "أبانا"، كما علَّم يسوع المسيح بالروح القدس،
إن لم يكن أبنًا للمسيح ومنضويًا تحت عباءته؛ لأن المسيح هو ابن الله بالطبيعة،
والمسيحيون به يكونوا ابناء لله الآب بالتبني. هكذا أيضًا لا يمكن للمسيحيين أن يكونوا كهنةً لله الآب
إن لم يكن كهنوتهم مستمدًّا من كهنوت يسوع المسيح، وذلك بإشراك يسوع لهم في كهنوته،
وذلك عندما يُقدمون الحياة المسيحية باعتبارها طقسيةً، أي كمشاركة في كهنوت الكاهن الأوحد، وذلك بتقديم أجسادهم "ذبيحة حية. مقدسة. مرضية عند الله. فهذه هي عبادتنا العقلية" (رو 1:12).
كما أنه لا يجدر الخلط بين "الكهنوت الملوكي"، المُستَمَد من الرب يسوع المسيح، الذي يناله
مَنْ تكرسوا مُفرَزين للخدمة بسر الكهنوت، والذي لا يُشكل طبقةً ذات امتيازات.
وبين "الكهنوت العام" الذي يناله جميع المؤمنين بسر المعمودية المقدسة وسر الميرون المقدس.
لأن المعمَّدين بلبسهم المسيح يصبحون منتسبين لملك الملوك ورب الأرباب رئيس الكهنة الأعظم،
ويُجعلوا ملوكًا وكهنة لله؛ ذلك كما يُرتَّل في خدمة سر المعمودية في طقس الكنيسة الأرثوذكسية:
«أنتم الذين في المسيح اعتمدتم المسيح قد لبستم».
كما أن على الذين ينالون الكهنوت الملوكي والذين ينالون الكهنوت العام تقديم
ذواتهم ذبيحة حية روحية بتسلطهم على أهوائهم المعابة؛ لأن حفاظ كل منهم على كهنوته
يتطلب العمل بجهاد واجتهاد.