لا تخافوا ولتكن لكم مخافة الله
المؤلف: جون كابساليس
كان ثمة في العالم دوماً الكثير من الخوف ولكنَّه يبدو لنا اليوم وكأنَّ حياتنا تتعلق به. إنَّنا نحن جميعاً نعاني من مخاوف ثابتة ومستمرَّة يصعب علينا التخلُّصُ منها. يلاحظ أدمند برك وهو سياسي وفيلسوف بريطاني من القرن الثامن عشر أنَّه:" ليس ثمة هوى آخر يُجرِّد العقل بهذه الفعاليَّة من كلِّ قواه الفاعلة والفكريَّة مثلما يفعل ذلك الخوف." هل يعدُّ من الغريب إذن أنَّه يتمُّ صرف الملياردات من الدولارات لشراء الأدويَّة المضادة للاكتئاب ومكافحة الآثار الجانبية الناجمة عن الخوف؟ أخشى أن يكون الخوف قد تحوَّل إلى سلعة متداولة في حياتنا المعاصرة.
يوجه هنري نوين انتباهنا نحو الظلال المظلمة المتخفيَّة وراء تفكيرنا:
انظروا إلى مدى كثرة الأسئلة الّتي نثيرها في أنفسنا مسبوقة بأداة الشرط "إذا": ماذا سأفعل إذا ما فشلتُ في إيجاد شريكاً لحياتي أو منزلاً أو عملاً أو صديقاً أو أحداً ما ليتفضل علي؟ ماذا سأفعل إذا ما أقالوني من وظيفتي أو إذا مرضت أو إذا انتابتني نائبة ما أو إذا ما تبيَّن أنَّ زواجي فاشل أو إذا ما اندلعت حرب؟ ماذا سيحل بي إذا ما صارت حالة الطقس سيئةً غداً، أو إذا ما أقام سائقو سيارات الأجرة عريضةً غداً، أو إذا حدث زلزال؟ ماذا سيحلُّ بي إذا قام أحدهم بسرقة نقودي أو دخل منزلي غدراً واغتصب ابنتي وقام بقتلي؟
لا يمكننا أن ننكر أنه يوجد العديد من الأمور يمكن أن تخيفنا في هذه الحياة. ولكن ما الشيء الّذي ينبغي له أن يكون خوفكم الأعظم؟ إذا كان هنالك شيءٌ ما يخيفكم بشدة عظمى، فما كان ليكون ذلك الشيء؟
تروي لنا قصة أيوب في الكتاب المقدَّس عن رجلٍ وقف وجهاً لوجه مع أعظم مخاوفه. لقد خسر أيوب جميع أولاده عند انهيار البيت فوقهم. إنَّه قد خسر غناه الفاحش ويظلُّ فقيراً من دون أيَّة قرشٍ في جيبه. وإذا لم يكن ذلك كافياً، فإنَّ أيوب قد أُصيب بمرضٍ البرص اللعين وقد أُضطرَّ إلى أن يحكَّ جراحه بقصبةٍ.
لقد ساءت الأمور إلى درجةٍ لعن فيها أيوب اليوم الّذي ولد فيه. فهل يمكن عليكم لومه؟ لقد تحققت أعظم مخاوفه. وقد آل أيوب من كبير قومٍ محترمٍ إلى عدمٍ. ولكنَّ أيوب لم يلعن الله البتَّة. إنَّنا لا نرى أيوب أبداً يتوعد الله ويصرُّ بأسنانه تجاه الرَّبِّ من أجل الشرِّ الّذي أصابه في حياته.
لكن كيف تمكَّن أيُّوب من أن يفعل هذا؟ كيف يمكن لمَن خسر كلَّ شيءٍ وتحوَّل من ابنٍ محظوظٍ إلى معوزٍ لا بيت له أن يظلَّ محافظاً على إيمانه بالله؟ إنَّه ولو حصل أن نحتمل ما قد سبق أن احتمله أيُّوب، فهل كنَّا لنمجِّد الله؟ وهكذا، ما الّذي يجعل أيوب مختلفاً عنَّا؟
على الأرجح ورغم كلَّ خسائره المأساويَّة، فقد كان هنالك أمراً ما آخر أعظم من خسارة أمنه وكلِّ ممتلكاته وأسرته وصحته وكماله يخاف أيوب من خسارته.
إنَّ الأمر الّذي امتلكه أيوب أكثر من أيَّة شيءٍ آخر كان خوف الله. وقد كانت أعظم مخاوف أيُّوب هي خوفه من أن يدير الله ظهره له. هذا هو الأمر الّذي كان يتآكل أيُّوب. لقد كان أيُّوب خائفاً لئلا يكون كلُّ ما يحدث له هو بسبب تخلي الله عنه.
يكتب القدِّيس ذوروثيوس أسقف صيدا ما مفاده:
إنَّ الصلاح بحدِّ ذاته هو أن تعرف ما معنى أن تكون مع الله... هذا هو الإنسان الّذي يملك محبَّةً حقيقيَّةً في ذاته الّتي يقول القدِّيس يوحنَّا عنها أنَّها "محبَّة كاملة"، وأما هذه المحبَّة، فتقود الإنسان إلى المخافة الكاملة. إنَّ إنساناً كهذا يخاف ويحفظ وصايا الله، لا مخافةً من العقاب، ولا تهرُّباً من الدينونة، ولكن لأنَّه قد اختبر لذَّة أن يكون مع الله، إنَّه يخاف لئلا يسقط منها وألا يُطرَدَ منها.
إنَّ أهمَّ شيءٍ كان بالنسبة إلى أيُّوب أن يكون بالقرب من الله. لقد كان أيُّوب يقدِّر الله أكثر من عائلته وغناه وصحته ومنزلته. لقد كان خائفاً من أن يخسر الله. فبالرغم من أنَّ أيُّوب قضى حياته كلَّها في طاعة الله وفي الإخلاص له والتشبه به، وقف أيُّوب أمام أعظم مخاوفه:" لأنَّ ما كان يخيفني هو ما لحق بي وما كان يرهبني قد حلَّ بي." يقول أيُّوب متأنِّياً. (سفر أيوب3: 25). لقد بحث أيُّوب سائلاً عن الله، فابتعد الله عنه.
إنَّ خسارة الله بهذا المعنى وفي هذا الليل الدامس عندما رحل الله قد أرعب قلب أيُّوب. لقد كان خوف أيُّوب من الله حقيقيَّاً جدَّاً لدرجة أنه جاهد من جديد حتى يجد لنفسه ملجأً عند الله.
كما يكتب القدِّيس ثيوذُورس أسقف الرُّها في هذا الصدد:
كلَّما كان شوقنا إلى الله كبيراً كلَّما كَبُرَ فينا خوف الله أيضاً؛ وكلَّما رجونا أن نصل إلى الله، كلَّما شعرنا زادت فينا مخافته... إذ ليس ثمة أمرٌ مباركٌ أكثر من البلوغ إلى الله، هكذا وليس شيءٌ أرهب من الخوف ألا تخسره.
يقول القدِّيس بولس الرَّسول أنه أمرٌ مخيفٌ هو السقوط بين يديَّ الله الحي. إنَّ إتباع الله له ثمن. إنَّه يريد منَّا أن نصنع خلاصنا بخوفٍ ورهبةٍ. إنَّ الله يريد أن يظلَّ ملتهباً فينا كالنار المبتلعة كلَّ شيءٍ والزاخرة بالقداسة. لتكن لكم مخافة الله، فتهدأ مخاوف هذا العالم، لأنَّ يد الله الحنونة ستكون معكم.
يحمل جون كابساليس درجةَ الماجستير في العلوم اللاهوتيَّة (M.T.S) من Holy Greek Orthodox School of Theology
تُرجِمَ من موقع الحاملي الله البلغاري
فيكتور دره 17/06/2014م