قصة أيقونة حارسة البوابة ( البورتايتيسا) حامية جبل آثوس إيفيرون: أيقونة البورتايتيسا
تعود هذه الأيقونة إلى زمن الملك ثاوفيلس المحارب للأيقونات في القرن التاسع. هذا اضطهد المؤمنين بعنف، فكان يرسل الجنود إلى المدن والقرى ليفتشوا الكنائس والمنازل وينزعوا الأيقونات المقدسة ويحرقوها بالنار.
وكان في مدينة نيقية أرملة تقية وغنية جداً، عندها ابن وحيد. ابتنت هذه الأرملة كنيسة بالقرب من منزلها ووضعت هذه الأيقونة فيها.
وصلت حملة الإضطهاد إلى مدينة نيقية. وجاء جند إلى بيت الأرملة وإذ شاهدوا الأيقونة فرحوا جداً وحاولوا ابتزاز الأموال منها وإلا يعرضونها للتعذيب ويتلفون الأيقونة. طلبت الأرملة مهلة إلى اليوم التالي فوافق الجنود وانصرفوا من منزلها. للتو دخلت الكنيسة مع ابنها وبدأت تتضرّع بخشوع ودموع لوالدة الإله لتخرجها من المأزق. ثم نهضت وأخذت الأيقونة وانطلقت مع ابنها إلى الشاطئ، هناك صلّت ثانية متوسّلة إلى السيدة العذراء كي تنجيهم من الجنود الكفرة وأن تحفظ الأيقونة سالمة. ثم رمت الأيقونة في البحر، فسارت مستوية على وجه البحر باتجاه الغرب. عادت الأرملة إلى منزلها ممجدة الله، وطلبت من ابنها أن يسافر بعيداً عن مدينته هرباً من الجنود أما هي فستبقى لأنها مستعدة أن تتحمل العذاب من أجل المسيح. ودّع بعضهما البعض وافترقا.
انطلق الشاب إلى مدينة تسالونيكي ومن هناك اتجه إلى جبل آثوس حيث ترّهب في المكان الذي سوف يشاد فيه لاحقاً دير الإيفيرون، هناك عاش بتقوى وأمانة للرب يسوع. أثناء حياته قصَّ خبر هذه الأيقونة على أحد إخوته الرهبان، ودوّنت هذه الحادثة. وبعد مرور زمن، عام 1004 م، يوم الثلاثاء من الأسبوع العظيم، كان بعض الرهبان من دير الإيفيرون جالسين على شاطئ البحر، فجأة، ظهر لهم عمود نار في البحر. شيئاً فشيئاً تبين أن هذا العمود الناري كان مرتفعاً من أيقونة مستوية على سطح البحر. في الوقت عينه ظهرت السيدة العذراء لراهب ناسك اسمه جبرائيل (يعيّد له في 13 أيار) وأعلنت له سرّ هذه الأيقونة وطلبت منه أن ينزل إلى البحر مع الرهبان ليأخذها ويحتفظوا بها في الدير. أخبر الراهب رئيس الدير بأمر تلك الرؤيا. ثم ذهب مع باقي الأخوة إلى شاطئ البحر رافعين الصلوات والابتهالات. هناك نزل الناسك إلى الماء وأخذ الأيقونة بذراعيه ومشى على سطح البحر كأنه على اليابسة واتجه إلى هيكل كنيسة الدير الكبرى.
الأيقونة مستوية على سطح المياه
في صباح اليوم التالي وقبل صلاة السحر، دخل الراهب المسؤول عن خدمة الكنيسة فلم يجد فيها الأيقونة المقدسة، وبعد تفتيش طويل وجدها الرهبان على الحائط فوق باب الدير، فنقلوها إلى مكانها الأول. تكررت هذه الحادثة عدة مرات إلى أن ظهرت السيدة العذراء لجبرائيل الراهب وأعلنت له عن رغبتها في بقاء أيقونتها فوق الباب قائلة له: "إنني لا أرغب في أن تحرسوني أنتم، بل أنا أريد أن أكون الحارسة لكم". فلما سمع الأخوة من جبرائيل خبر هذه الرؤيا، شيدوا كنيسة قرب باب الدير وأقاموا فيها الأيقونة المقدسة العجائبية. ولذلك سمّيت "العذراء البوابة".
أما المعجزات والأشفية التي تمت بهذه الأيقونة فلا تحصى. وخير دليل على ذلك هو أثر الجرح على ذقن والدة الإله في الأيقونة.
أما قصة هذا الجرح فهي كالتالي: اتفق في أحد الأيام مجموعة من اللصوص البرابرة لغزو الجبل المقدس والاستيلاء على كنوزه. وصلوا إلى دير إيفيرون. استولوا على كنوزه وقتلوا عدداً كبيراً من الرهبان. وإذ كان زعيمهم ممتلئاً من الشر، اتجه إلى هذه الأيقونة ونظر باستهزاء قائلاً: "ألستم تكرمون هذه المرأة مع ولدها فلماذا لم تتدخل لمساعدتكم". وأخذ رمحه ورمى به تلك الأيقونة، فأصاب ذقن السيدة العذراء. للحال ظهرت معجزة الله بأن خرج الدم من الأيقونة المرسومة على الخشب. عندما رأى ذلك البربري خاف خوفاً عظيماً وآمن بقدرة السيد المسيح وأمه، فأعاد كل ما سرق من الدير وأخرج من جيبه ديناراً عربياً ووضعه أمام الأيقونة وهو موجود حتى الآن، وطلب من الرهبان الباقين أن يقبلوا توبته، فقبلوها بفرح. وبعد أن أبدى توبة حقيقية، إقتبل المعمودية المقدسة وتوشح بالإسكيم الرهباني. وعندما أرادوا تسميته، قال لهم: "أنا بربري وأرجو أن يبقى اسمي بربري، لأنه لا يليق بي أن آخذ اسم أحد القديسين". فكان اسمه بربروس. وسار في حياته الرهبانية بجد وتعب وأصبح فيما بعد قديساً من قديسي الكنيسة .
في روسيا
عام 1651، وقع الدير في ضيقة مالية، وابتدأ الرهبان يتضرعون لوالدة الإله لكي تساعدهم على الإستمرار. فظهرت لأحد الرهبان وقالت له:"إذا أنتم اهتممتم بخلاص نفوسكم فأنا أهتم بأموركم المادية".
وكانت ابنة القيصر في روسيا مشلولة من وسطها إلى أسفل والأطباء قد اتفقوا أنه لا يمكن شفاؤها وأنها ستبقى كذلك طيلة حياتها. هذه الأميرة ظهرت لها والدة الإله وقالت لها أنها ستشفيها إذا أحضرت أيقونتها بورتايتيسا من دير الإيفيرون في جبل آثوس. في اليوم التالي بعث القيصر الروسي وفداً إلى القسطنطينية بغية الحصول على الإيقونة. أُعلم الدير بطلب القيصر ولكن الرهبان خافوا أنه إذا ما بعثوا بالأيقونة إلى روسيا فلن تعود. اجتمع شيوخ الدير وقرروا أن يرسلوا نسخة عن الأيقونة. جرى تقديس المياه وغُطِّست الخشبة التي سيرسم عليها بالمياه المقدّسة. ثم طحنت بعض من رفات القدّيسن ومزجت مع الألوان التي سوف ترسم بها الأيقونة. أما راسم الأيقونات فصام مدة رسمه للأيقونة فكان لا يأكل إلا يومي السبت والأحد. انتهى رسم الأيقونة فبُعثت إلى روسية مع عدد من رهبان الدير. وفي 13 تشرين الأول وصلت إلى روسيا حيث استقبلها القيصر الروسي وزوجته مع عدد من الإكليروس والشعب وكانوا صائمين في انتظارها. في هذه الأثناء بقيت الأميرة في القصر، وطلبت أن ترى والدتها فقالت لها المربية أنها ذهبت لإحضار الإيقونة التي سوف تشفيها. فوثبت الأميرة بغضب وتأفف من سريرها وارتدت ملابسها وذهبت مسرعة إلى حيث كان والداها يستقبلان الأيقونة وعاتبتهما قائلة:"تذهبون لاستقبال والدة الإله التي سوف تشفيني من دوني؟!". في كل هذا لم تدرك الأميرة أنها قد شفيت إلى أن وصلت إلى مكان الاستقبال حيث تفاجأ بها والداها والحضور ومجّدوا الله ووالدة الإله على هذه الإعجوبة. إثر ذلك قدم القيصر دير القدّيس نيقولاوس في العاصمة الروسية لدير الإيفيرون وهبات ثمينة أخرى. تُحفظ صورة هذه الأيقونة حالياً في كنيسة القيامة في موسكو.
القنديل
يوجد قنديل زيت مضاء أمام أيقونة البوابة. هذا القنديل كثيراً ما يأخذ بالتأرجح يميناً وشمالاً في الأعياد والإحتفالات. في التقليد هذه الظاهرة تدل على أن والدة الإله موجودة معهم وأنها تحضنهم كما تحضن الأم أولادها: تبارك السائرين بتقوى وتحثّ المتونين على أن يتوبوا إذ إنها لا تستطيع أن تخلص نفساً غير مكترثة بخلاصها.
في أحيان أخرى يتحرك هذا القنديل بشكل مستمر لعدة أيام متتالية دونما أن يكون هناك إحتفال أو عيد. في التقليد هذه الحركة تدل على أنه سوف تحصل كارثة في العالم: زلزال، حرب، وباء، مجاعة… بإعلانها هذا تطلب والدة الإله من الرهبان صلاة أكثر وتوبة.
ذات مرة ارتأى المسؤول عن إشعال القنديل أن هذه الحركة إنما هي ناتجة عن تيار هواء. فأخذ القنديل ووضع فيه رمل لكي يثقّله. وفي موعد إفتقاد القنديل أتى هذا الراهب إلى الكنيسة فوجد القنديل قد سقط على الأرض بطريقة مستوية _ رغم أن القائمة على شكل كوز– وما زال مضاءً كأن شيئاً لم يكن. فهرع الراهب إلى أبيه الروحي ليعترف بخطيئته وبعد ذلك أفرغ القنديل من الرمل وشكر والدة الإله على صنيعها الذي شدّد إيمانه.
العامل الفقير
وفي رواية أخرى عن أيقونة البورتايتيسا يُحكى أنه أتى عامل فقير جائع وقرع باب الدير طلباً لبعض الطعام. فرفض بواب الدير أن يعطيه شيئاً. غادر العامل الدير باتجاه كارييس حزيناً مفتكراً بحاله، وفي الطريق جلس ليستريح قليلاً. هناك جاءته امرأة مع طفل على ذراعها. هذه سألته عن سبب تعاسته فأخبرها عن حاله. فقالت له أن لا يهتم ببواب الدير لأنها هي المسؤولة عن بوابة الدير. وطلبت منه أن يذهب إلى الدير مجدداً ويطلب خبزاً باسمها "بورتايتيسا" وإذا ما رفض الراهب، عندئذ يعرض عليه قطع نقود سوف تعطيه إياها. وللحال ناولته ثلاث قطع نقدية. لم يدرك العامل أن من أتى إليه كانت والدة الإله، وذهب كما أمرته وقرع باب الدير. عندما فتح البواب طلب منه العامل خبزاً باسم "البورتايتيسا" وإذ رفض، قدّم له القطع النقدية. نظر البواب القطع النقدية باندهاش واعتراه الخوف ثم دخل إلى الدير وقرع الناقوس. ولدى اجتماع الرهبان أراهم القطع النقدية التي لم تكن إلا القطع النقدية المعلقة على غطاء أيقونة البوابة قد أخذتها والدة الإله لتعين هذا الفقير وتنبه الرهبان إلى ضرورة التصدّق على المحتاجين. ومنذ ذلك الحين يُعرف دير الإيفيرون بإحسانه وسخائه الكبيرين.
ومن أهم ما يُعرف عن هذه الأيقونة أنه لمّا قامت الحرب بين روسيا وتركيا ثارت في الجبل الاضطرابات والمخاوف حتى إن كثيراً من الرهبان تركوا الأديرة وهربوا. فكانت النتيجة أنه بعد أن كان عدد الرهبان أربعين ألفاً أصبح في القرن التاسع عشر حوالي الألف. وهؤلاء أيضاً أرادوا الفرار والهرب لأنهم قالوا إن السيدة العذراء لم تعد تهتم بالجبل أو بحديقتها (لأن الجبل يسمى حديقة العذراء) .ولكن السيدة العذراء ظهرت لكثير من الآباء وسكان البراري وقالت لهم : "لماذا تخافون هذا الخوف الشديد؟ إن هذه الأخطار ستمضي وسيعود الجبل يحفل أخبركم بأن ما دامت أيقونتي البوابة في الجبل المقدس في دير الايفيرون فلا تخافوا شيئاً وعيشوا في صوامعكم، ولكن عندما أختفي من الدير فليأخذ كل منكم أغراضه ويذهب حيث يشاء ".
وهذا التقليد مستمر، في الجبل، بتفقد هذه الأيقونة. وكل عام في يوم الثلاثاء من أسبوع التجديدات و15 آب – عيد رقاد والدة الإله - يقوم عدد كبير من الرهبان من كل أديار الجبل المقدس بزياح عظيم لها ويوضع عليها غطاء مذهب ومرصّع بالجواهر الثمينة كان قد قدمه لها القيصر الروسي. يعيّد لهذه الإيقونة أيضاً في 12 شباط و13 تشرين الأول. ويُعرف عن عذراء البوابة أنها تمنع الكثير من ذوي النفوس الغير النقية من دخول الدير بطريقة أو بأخرى ومنهم من يموت على باب الدير إذ تكون نفوسهم ملتوية تماماً.
أعجبني