قد أدخل الكمال المسيحي كأعلى درجات الحب
التي تربط الإنسان بأخيه..
إذ يرى أن العلاقة التي تقوم بين البشر تأخذ ست درجات:
1- الدرجة الأولى:
تظهر في الإنسان البدائي الذي يبدأ بالاعتداء على أخيه.
2- الدرجة الثانية:
فيها يرتفع الإنسان على المستوى السابق،
فلا يبدأ بالظلم، لكنّه إذا أصابه شر يقابله بشرٍ أعظم.
3- الدرجة الثالثة:
وهي درجة الشريعة الموسويّة
التي ترتفع بالمؤمن عن الدرجتين السابقتين
فلا تسمح له بمقاومة الشرّ بشر أعظم،
إنّما تسمح له أن يقابل الشرّ بشر مساوٍ.
أنها لا تأمر بمقابلة الشرّ بالشرّ،
إنّما تمنع أن يرد الإنسان الشرّ بشرٍ أعظم،
لكنّه يستطيع أن يواجه الشرّ بشر أقل أو بالصمت
أو حتى بالخير إن أمكنه ذلك.
4- الدرجة الرابعة:
مواجهة الشرّ بشرٍ أقل.
5- الدرجة الخامسة:
يقابل الشرّ بالصمت،
أي لا يقابله بأي شر، أي عدم مقاومته.
6- الدرجة السادسة:
التي رفعنا إليها السيّد وهي مقابلة الشرّ بالخير، ناظرين إلى الشرّير
كمريض يحتاج إلى علاج.
ويُعلّق القدّيس يوحنا الذهبي الفم على مقاومة الشر بالخير،
قائلًا: [لا تُطفأ النار بنارٍ أخرى، وإنما بالماء...
ليس ما يصد صانعي الشرّ عن شرّهم
مثل مقابلة المضرور ما يصيبه من ضرر برقّة.
فإن هذا التصرّف ليس فقط يمنعهم عن الاندفاع أكثر،
وإنما يعمل فيهم بالتوبة عما سبق أن ارتكبوه،
فإنهم إذ يندهشون بهذا الاحتمال يرتدّون عما هم فيه.
هذا يجعلهم يرتبطون بك بالأكثر، فلا يصيروا أصدقاءً لك فحسب،
بل وعبيدًا عِوض كونهم مبغضين وأعداء.]
"سمعتم أنه قيل تحب قريبك وتبغض عدوّك،
وأما أنا فأقول لكم أحبّوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم،
أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم،
لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السموات..." (آنجيل متى 43-45).
لم تأمر الشريعة ببغض العدوّ كوصيّة يلتزم بها المؤمن،
في كسرها كسر للناموس وإنما كان ذلك سماحًا أُعطى لهم
من أجل قسوة قلوبهم. لقد ألزمت بحب القريب
وسمحت بمقابلة العداوة بعداوة مساوية، لكي تمهد لطريقٍ أكمل،
أن يحب الإنسان قريبه على مستوى عام، أي كل بشر.
يظهر ذلك بوضوح من الشريعة نفسها التي قدّمت نصيبًا من محبّة الأعداء
ولو بنصيب قليل، فقيل: "إذا رأيت حمار مبغضك واقعًا تحت حمله
وعدلت عن حلّه فلابد أن تحلّ معه" (خروج 23: 5). وقيل أيضًا:
"لا تكره أدوميًا لأنه أخوك، ولا تكره مصريًا لأنك كنت نزيلًا في أرضه"
(سفر التثنية 23: 7)، مع أن الأدوميّين والمصريّين كانوا من ألد أعدائهم.