ما هو مفهوم الوحي في المسيحية، وإن كان الكتاب يقول "كل الكتاب هو مُوحَى به من الله" (2تي 16:3) فكيف يختلف الأسلوب من كاتب لآخر؟
: جاء في الكتاب المقدس " كل الكتاب هو مُوحى به من الله" (2تي 16:3) وتعبير "مُوحى به" في الأصل يوناني "ثيوبنوستوس" θεόπνευστος وتعنى الذي يتنفس من الله، ومنها ثيوبنوستيا وتعنى الإلهام الإلهي أو الوحي أو أنفاس الله ، فالكتاب المقدس هو نسمة من الله نفخها في قلوب الكتَّاب، ولذلك يدعو الآباء القديسون الكتاب المقدس بأنفاس الله، وعبَّر قاموس وبستر عن الوحي قائلًا " هو تأثير روح الله الفائق للطبيعة على الفكر البشري، به تأهل الأنبياء والرسل والكتبة المقدَّسون لأن يقّدِموا الحق الإلهي بدون مزيج من الخطأ "، وجاء في قاموس شامبرز عن الوحي أنه التأثير الإلهي الذي بواسطته أُرشد كتبة الكتاب المقدَّس القديسون".
اذا مفهوم الوحي في المسيحية هو كالآتي:
أ - يختار الله بعض القديسين ويُحرِك قلوبهم للكتابة، وقد يأمرهم مباشرة كما قال لموسى "فقال الرب لموسى اكتب هذا التذكار.." (خر 14:17) وكما قال لأرميا "خذ لنفسك دَرْج سفر واكتب فيه كل الكلام الذي كلمتك به.." (ار2:36)
ب- يترك الله للكاتب حرية اختيار الألفاظ والأسلوب والكلمات، فلذلك نجد الأسلوب يختلف من كاتب لآخر، ولكن بدون أي تناقض أو تضارب بل في انسجام كامل وتوافق تام . فنرى داود النبي يكتب بلغة الراعي، وسليمان بلغة الحكيم، وبولس بلغة الفيلسوف وهكذا، وفي نفس الوقت يساعده على انتقاء الألفاظ المناسبة.
ج - يكون الكاتب أثناء الكتابة تحت هيمنة وسيطرة روح الله الذي يحفظه ويعصمه من الخطأ أثناء الكتابة.
د - يكشف روح الله للكاتب ما خُفي عنه مثلما كشف لموسى عن أيام الخليقة.
والوحي لا يتقيَّد بلغة معينة إنما يستخدم اللغة التي يستخدمها الشعب، فعندما كانت لغة شعب الله هي اللغة العبرية جاءت كتابات العهد القديم بهذه اللغة، وعندما بدأ الشعب يتكلم الآرامية ويصعب عليه فهم العبرية جاءت بعض الكتابات باللغة الآرامية. كما كانت تقرأ الأسفار المقدسة باللغة العبرية وتترجم فورًا للآرامية، ثم ظهرت ترجمات مكتوبة بالآرامية وهي ما دُعيت بالترجوم، وكُتِب العهد الجديد باللغة اليونانية التي كانت سائدة في ذلك الزمان.
إذًا الوحي لا يتمسك بلغة معينة ولا يفضل لغة على أخري، ولا ننسى أن تعدد اللغات وبلبلة الألسن جاءت نتيجة لخطية الإنسان وعدم إيمانه بوعد الله أنه لن يجلب طوفانًا فيما بعد، ولا ننسى أيضًا ان قصد الله أولًا وأخيرًا ان الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يُقبِلون، ولذلك أوصى تلاميذه أن يذهبوا ويكرزوا للعالم أجمع وأعطاهم أن يتكلموا بلغات مختلفة، ولم يضع الله ثقلًا على الإنسان لا يستطيع القيام به، فمثلًا لم يوصي أنبياءه بالكتابة باللغة العبرية فقط وحظر عليهم الترجمة، وفرض على كل من يريد أن يعرفه أن يتعلم العبرية أولًا.
الوحي إذا قوة تملأ فكر وحس الرسول فينطق به بلغة البشر، ويحفظه من الخطأ ويعصمه من الذات، فتجئ التعبيرات في لغة البشر ولكن الروح هو القوة الفعالة فيها".
الروح إذًا يضبط الرسول في التعبير ( مسوقين) كما جاء في (2بط 21:1) لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ.
والرب يبارك الجميع أختكم ملاك الرب فيرونيكا