هناك العديد من الاضطرابات النفسية التي تؤثر سلباً على الوظائف السلوكية ، الانفعالية ، أو الوظائف العقلية مما يجعلنا نطلق عليها تسمية (المرض النفسي ) أو ( الأضطرابات النفسية). واحدة من هذه الأضطرابات النفسية التي سنتاولها اليوم هي (ازدواج الشخصية) والتي هي حالة مرضية نفسية تؤثر في سلوك وشخصية الفرد ، ولكن ما نلاحظه اليوم إن هذه الحالة من الأضطراب النفسي اصبح كإنما سمة من سمات الشخصية الطبيعية حيث لم يعد حالة إضطراب نفسي متميز المظاهر والابعاد بل اصبح شيئاً طبيعيا يمارسه الفرد في حياته اليومية بشكل طبيعي اي بمعنى اخر اننا نلاحظ انه حتى الشخص السليم نفسياً او كما نطلق عليه علمياً في تخصصنا (السوي ) ، نلاحظ ان هذا السوي يمارس وعن وعي تام او من غير وعي ازدواج الشخصية !!!!. وقبل الدخول في تفاصيل اكثر سنستعرض وبشكل مختصر معنى هذا المفهوم لنسهل على القاريء الكريم سهولة استنتاج ماالمقصود بعنوان مقالتنا هذه .
انها حالة نادرة جدا في الطب النفسي ويمكن ألا تمر على كثير من الأطباء النفسيين وربما يكون سبب شهرتها مع ندرتها هو تناول الأفلام السينمائية وبعض المسلسلات لهذه الحالة سواء كانت أفلاما أجنبية أو عربية .إن ازدواج الشخصية ليس وهما وانما اضطراب نفسي حقيقي حيث يظهر الشخص بأكثر من شخصية وهو احد الاضطرابات الانشقاقية Dissociative Disorders كان يسمى اضطراب تعدد الشخصية Multiple Personality Disorder في التصنيف الثالث DSM-III-R واصبح الآن يسمى اضطراب الهوية الانشقاقي Dissociative Identity Disorder حسب التصنيف الرابع .DSM-IVهذا يعني أن مفهوم " ازدواج الشخصية " - وهو مفهوم نفسي وليس اجتماعي - لم يعد متداولا في الطب النفسي وأنه استبدل بمفهوم " اضطراب الهوية الانشطاري " يملك المصاب به هويتين أو شخصيتين - وقد يصل العدد الى العشرات !- لكل واحدة أسلوبها الخاص بها في السلوك والادراك والتفكير والتاريخ الشخصي والعلاقة بالآخرين .
يحدث الانتقال من شخصية لأخرى عند وجود ضغط نفسي اجتماعي شديد ويتم الانتقال فجأة خلال ثوان الى دقائق .. وقد تناقض كل شخصية الاخرى كأن تتحول الآنسة الخجول فجأة الى فتاة جريئة لاتتورع عن القيام بأي عمل لا اخلاقي . اسباب اضطراب تعدد الشخصية في الغالب هي وجود تاريخ لايذاء جنسي بصفة خاصة اضافة الى الانواع الاخرى من الايذاء الجسمي والنفسي في الطفولة .. اما علاجه فلايعتمد على العقاقير بل على العلاج النفسي طويل المدى لتفريغ الصدمات النفسية المكبوتة.
هناك حالات لتعدد الشخصية عند الانسان وهي :
-1 يظهر ويتحدد بشخصيتين تظهر على سلوك الفرد الواحد .
-2 ظهر باكثر من شخصيتين وتكون تلك الشخصيات منفصلة الواحدة عن الاخرى ولها استقلاليتها.
- وكل شخصية نظهر بالتتابع والتعاقب لدى الفرد المصاب اي لها اسلوبها الخاص وليس لها صلة كل شخصية مع الاخرين السابقه لها وللاحقة .
- من خلال هذه المعلومات نعطي تعريفا" للشخصية الازدواجية: وهي : انشطار وعي الشخصيه للفرد الى جزئين يعيشهما الفرد وبأوقات مختلفه وبالتوالي . شخصيتين احدهما تظهر والاخرى تكون مضمورة وبدون معرفة الشخص المصاب بذلك وحكم فقدان الذاكرة لاحدى الشخصيتين وارد ، لان فقدان الذاكرة باحدهما تظهرالاخرى .
بعد هذا الشرح المطول لازدواج الشخصية نعود الى الموضوع الرئيسي وهو هل هذه اصبحت حالة طبيعية او سمة من سمات الشخصية السوية ، ام انها ما زالت حالة مرضية ؟ لماذا لاننا ومن خلال هذا الشرح نرى ان هناك الكثير من الناس الذين يعيشون حياة طبيعية ويمارسون ادوارهم في الحياة وهم بشخصيتين متناقضتين تماماً . وما كان يحدث من تناقض بين السلوك والافكار لدى الكثير من الذين نراهم ونسمعهم قد اصبح الان تغييرا وتناقضاً واضحا في شخصيتهم وليس بين افكارهم وسلوكهم فقط ، فهم اليوم بشكل يتكلمون ويتصرفون ويصرحون وبعد فترة زمنية بسيطة ولا نقول طويلة نجدهم بشكل اخر ، يتصرفون بطريقة متناقضة تماما لما قالوه او فعلوه قبل قليل . ان هذا التناقض او الازدواج اصبح موجودا لدى غالبية الناس ولا سيما الساسة ورجال الدين . ولا يقتصر هذا على هؤلاء فقط بل اصبح موجودا لدى غالبية افراد مجتمعنا العربي بحيث اصبحنا نعتقد بان هذا الازدواج في الشخصية هو السواء او انه من السمات الحديثة التي يمكن ان توصف بها الشخصية العربية الحديثة !! وقد يفسر ذلك بانه نتيجة للضغوط التي تعرض او يتعرض لها هؤلاء الافراد ولكن نحن نشاهد ذلك عند افراد بعيدين عن الضغوط النفسية وبالعكس فان من يعاني ويكابد ويتحمل نراه يتمتع بنوع من الضبط النفسي والسلوكي والانفعالي ، واذا ما بدر منه ذلك فقد نتلمس له العذر ولكن اي عذر نلتمس لمن يعمل ذلك لخداع الاخرين وهو لايعلم بانه بهذا الخداع يكون قد خدع نفسه اولاً. انها دعوة الى مراجعة النفس اولا والانتباه اليها وان نحاول الحفاظ على سلامة عقولنا وسلوكنا وحالتنا الانفعالية من عدوى قد ينقلها الينا غيرنا ممن يمتهنون هذه الحالة ويحاولون ان يجعلوننا نعيش في دوامة ازدواجيتهم . رحمك الله فقيدنا العلامة علي الوردي فلقد شخصت هذا منذ اكثر من خمسين عاماً وان كان هناك من يقول انه تناقض بين الفكر والسلوك آنذاك فنقول انه الان اصبح ازدواج في الشخصية فلك منا التحية والاحترام .