قصة الراهب الذي يضايقه الشيطان
من كتاب الشيخ أرسانيوس الكهفيّ (1886-1983)
رفيق الشيخ يوسف الهدوئي
أسرع مرةً احد الأخوة مرتعداً إلى الأب أرسانيوس :
- ساعدني يا أبانا
- ما بك يا بنيّ؟ تبدو مرتعباً جداً يا حبيبي.
- آه، أيها الشيخ فالجرِّب لا يدعني أعيشُ بهدوء. يحاربني فينوم وفي اليقظة. في النوم: صراخٌ وتهديداتٌ والأمر نفسه أثناء السهرانية. وحالما أبدأُ بقانوني يقرعُ البابَ وأسمعُ أصواتاً متوحّشة وتهديدات. ومن كثرة الخوفِ أرتجف كالسّمكة. إلى أين أذهبُ لكي أخلص؟
- يا بنيّ، أنت مجاهدٌ عظيم! لقد فهِمك الشيطان، وها هو يسخر منك. عندما تقول"ياربي يسوع ارحمني" يحترقُ المجرِّب لمجرِّد سماعه اسم المسيح. فيخترعُ طرقاً كثيرة لكي يجعلنا نصمت. يضعُ اهتماماتٍ وأفكاراً وتجاربَ وأيّ شيء تتخيّله، حتى لا نصلّي. وقد أدرك أنّك جبانٌ فراح يقول لك: إمّا توقف الصلاة أو أدخُلَ فأقتلك. تشجّع ولا تخف منه، إنّه كذاب، فهو لا يستطيع أن يقتلعَ شعرةً، إن لم يُعطَ الإذن من فوق. يتركه الله لكي يُدرّبنا. حين كنّا مع أبونا الشيخ، كان يدرّبنا بشكلٍ أقسى. لدرجةٍ أن هذا العاتي كان يضربنا بالعصيّ. لكنّنا لم نكن جبناء مثلك. عندما كان المجرّب يأتي، كنّا نصلّي من كلّ قلوبنا. ونعطي كلّ نفوسنا لله. كانتِ الصلاة تجري بسرعةٍ لكنْ بنقاء. كان ذهنُنا يلتصقُ بمعنى الصلاة. وكنّا نلتصقُ بالصلاةِ وبيسوعَ المسيح. إذ ذاك كنّا نشعرُ في داخلنا بالفرحِ والوداعة وتسيل الدموع. عندئذٍ يختفي المجرِّب فنشكرُ الله. اسمع ماذا جرى مرةً للأب أفرام الذي من كاتوناكيا:
- في السنين الأولى لمعرفتنا به، كان يجاهدُ بحميةٍ كبيرة في الصلاة. ذات مساءٍ، ارتمى على فراشه ليرتاحَ قليلاً ثم ينهضُ ليتابع السهرانيّة. وكانت الشياطين تحسُده كثيراً، لأنَّ صلاته كانت كالنّار. فجاءت فرقةٌ بكاملها ووقفتْ خارجَ قلّايته وبدأت تصدر أصواتاً. فاستفاق الراهبُ مرتعباً. أنصتَ، فأدرك أنّها الشياطين. كانوا يصرخونَ بصوتٍ واحد: " حربٌ..حربٌ...حربٌ..."
- لقد اعتقدوا أنّهم سيرتعدوا مثلك. لكنْ ماذا فعلَ الراهب؟ نهض من فراشه كالبرق. أمسك المسبحة وأجابهم بقوّة وشجاعة: " نعم، نعم، حربٌ، حرب". وأطلق العنان لآلته: "ياربي يسوع ارحمني، يا ربي يسوع ارحمني..."
- كانت سهرانية ظلّ يتذكرها لسنواتٍ كثيرة، ثم شكر الشياطين لأنهم أيقظوه للصلاة. وفي المرّة المقبلة افعل أنتَ هكذا إذا كنت تريد أن تنتصر. خفْ من الله وليس من الشيطان.
سأله شابٌ آخر:
- أيها الشيخ، ماذا أفعل؟ عندما أذهب للحمّام لقضاء حاجتي يحاربني شيطان النجاسة.
- حاربه أنت قائلاً الصلاة بسرعة كبيرة وباستمرار.
- ولكن أيها الشيخ، هل يجوز أن نتلو الصلاة في الحمام؟
- آ؟ في مكان قضاء الحاجة؟ ( هكذا كان يقول عن الحمّام بكل دقةٍ في اللغة البنطيّة). ومن قال لك أنّه لا يجوز؟ ألم يقل بولس الرسول: " صلّوا بلا انقطاع"
- أتحارِب؟ أحاربُكَ. أتضعُ فيَّ الفكر؟ أنا أُخرجُهُ بالصلاة. ألا تعرف ذاك الشاب الذي من كثرة الصلاة مزّق الشيطان؟
ذات مرة أُصيب المجرّب بالكَلَبِ من كثرة الصلاة، ووجد الفرصة فيما كان الشابُ يقضي حاجته ، فظهر له وقال له : " ألا تخجل أن تتلو الصلاة وأنت في الحمّام؟". فأجابه الشابّ مباشرةً: نعم وفي الحمّام سأقولها باستمرار. لكي أُخرج الأوساخ من نفسي!".
إذ ذاك لم يحتمل الشيطان، فتمزّق وصار دخاناً.
صلواته تكون معنا آمين
نقله إلى العربيّة: دير رقاد والدة الإله - حمطورة