قانون الحب
قانون الحب هو تحمل مسئولية الآخر، وهو الخروج عن الذات للقاء الآخر، وهو طلب أفضل الخير له. فالحب هو أن أسعى لسعادة الآخر بنفس القوة التي أسعى بها لسعادتي.
فكيف ينشأ هذا القانون؟
لا ينشأ هذا القانون بسبب التربية الصالحة أو التنشئة الأخلاقية "القويمة" بل كثيراً ما يتكون بالرغم من التربية والتنشئة التي نتلقاها.
لأنه بمجرد أن يعي الإنسان بذاته وبوجود الآخرين يتكون داخله القانون - الحب.
أي عندما يصير الإنسان إنساناً، له عقل فاهم وقدرة على الشعور والإحساس وإرادة حرة، يعرف أن عليه ألا يكون أنانياً وعليه أن يكون مـُحباً.
في طفولتي عندما شبعت بعد جوع واستدفأت من البرد وشعرت بالأمان من الخطر أدركت أن الشبع والدفء والأمان أفضل من البرد والجوع والقلق بالنسبة لي، كما أدركت أنهم كذلك بالنسبة لكل إنسان من الناس الذين أشاهدهم حولي.
كذلك عندما أرى حب الناس لي وتقديرهم أو احترامهم أدرك أن ذلك أفضل من أن أكون مكروهاً، مظلوماً أو محتقراً، وأدرك أيضاً أن الحب والتقدير والاحترام لمن حولي هو حق لهم وواجب علي. عندما أرى الناس من حولي أدرك أن كل واحد منهم مساوي لي في القيمة وأن مصلحته وسعادته المادية والنفسية والروحية تساوي تماماً قيمة سعادتي.
ومهما كان شيوع الأنانية والانحصار في الذات ورسوخهما في المجتمع من حولي، فإن ذهني وإدراكي سيؤكدان لي دائماً أن طلبي لسعادتي الشخصية على حساب أو دون اكتراث بسعادة الآخرين ومصلحتهم وكرامتهم هو شر، وأن مسئوليتي هي في أن أطلب خير كل الآخرين بقدر إمكانياتي كما أطلب خيري الشخصي تماماً. أياً كانت الظروف سيكون واجبي أن أعمل بكل قوتي لا لمصلحة نفسي فحسب بل لمصلحة كل الناس أي أن واجبي النهائي هو "الحب".
وليس من الضروري أن نعي تماماً هذا القانون أو كيف يتكون داخلنا حتى ينطبق علينا. فهو يشبه القوانين الطبيعية مثل قانون الجاذبية. فإن ألقيت بنفسك من أعلى برج القاهرة فلابد وأن تلقى حتفك في سقطة رهيبة مرتطماً بالأرض، حتى إذا لم تكن "مقتنعاً" بقانون الجاذبية وحتى إذا لم تكن "تفهم" لماذا يجب أن ينطبق عليك أنت بالذات في هذا الموقف بالذات. أيضاً لو أنك أكلت خبزاً ولحماً فستشبع ثم تتقوى وتنمو حتى لو لم تفهم كيف يعمل الجهاز الهضمي في هضم هذا اللحم وذلك الخبز وكيف تحدث عمليات الأيض المؤدية للبناء الجسماني.
لذلك إذا سلكت في حياتك مسلكاً أنانياً أو أتيت فعلاً مخالفاً لقانون الحب فلابد وأن تتكون في داخلك تعاسة حقيقية حتى لو لم تكن فاهماً كيف يكون ذلك ولماذا تحصد هذه التعاسة.
وإذا سلكت مـُحباً مهما كانت بساطة فهمك لما يجري داخلك ومهما كان جهلك بأبعاد هذا القانون فستحصد سعادة وشبعاً ونماءاً داخلياً على أي حال.
الحب ليس شعوراً أو رد فعل، إنما هو موقف إرادي واعي وحر. كما إنه ليس مجرد الاقتناع العقلي بل هو اتجاه كياني وهو قرار علي أن أقرره كل يوم لصالح كل الناس.
ونقيض الحب إذن ليس الكراهية أو البغضة لكن نقيضه هو الأنانية والانحصار في الذات.
والأنانية ليست طبع أو خصلة بل هي موقف إرادي واعي وحر. هي قراري بأن أطلب مصلحة نفسي مهما كان الأمر وأن تأتي مصالح كل الآخرين في المرتبة الثانية أو الثالثة أو لا تأتي إطلاقاً. هي انحصار كامل في الذات وانغلاق عليها وتمركز حولها.
والآن مهما حاولت أن أبرر موقفي أو أسكن ضميري فسيظل هذا الوعي قائماً في داخلي كما لو كان قائماً رغماً عني ( أو هو فعلاً قائم رغماً عني ) ومهما أبعدت تركيزي عنه أو بررت لنفسي غير ذلك فسيؤرقني هذا الإدراك. وحتى لو احتجب القانون في مناطق اللاشعور بقواي العقلية وطالما ظللت حياً أرزق فلا مهرب من مسئولية الحرية وهذه المسئولية هي الحب.